إذا لم نتبع مذهب الذاهبين إلى أن أهل الصين والسودان وهنود أميركا من أصل قبل الطوفان فيكون سام وحام ويافث أصولاً لجميع الجنس البشري بعد الطوفان. فقد أقام سام في آسيا وأقام حام في إفريقية وأقام يافث في أوربا فالآسيويون القدماء من ذرية سام والإفريقيون الأصليون من أصل حام والأوربيون من أصل يافث. وأما نوح فهو جد الآسيويون والإفريقيون والأوربيون بعد الطوفان.
ذهب عدد كبير من العلماء إلى أن موسى الكليم اقتصر على ذكر أنساب النوع الأبيض من البشر. وأما أنساب النوع الأصفر والنوع الأسود والنوع الأحمر فلم يتعرض لها. ولعله أراد بهذا التخصيص أو الاقتصار ذكر الشعوب التي كان يعرفها العبرانيون في أيامه. غير أن العلماء اهتدوا إلى حل هذه المسألة فقالوا أن نوحاً عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة فلا يبعد أن يكون ولد له أبناء أو أولاد في أثناء تلك المدة فكانوا أصولاً لشعوب أخرى.
فالشعوب القديمة التي ظهرت بعد الطوفان وذكرها موسى الكليم والمؤرخون القدماء كالآشوريين والعبرانيين والعيلاميين والعرب والآراميين هم من أصل سام. والإيرانيون والتتر والجومريون والأتراك واليونان والسلافيون والايبارييون من أصل يافث. والمصريون والغوطيون والكنعانيون والكوشيون من أصل حام.
واختلف أهل البحث في لغة الإنسان الأولى اختلافهم في غيرها من المسائل الغامضة فمنهم من قال بأنها كانت عبرانية ومنهم من قال بأنها كانت إحدى اللغات السامية كالسريانية والكلدانية والعربية. وقد تكون اللغة الأولى نوعاً من اللغات السامية ثم طرأ عليها تغييرات وإصلاحات وتحسينات. على أن هذه جميعها لم تغير شيئاً من جوهرها الأصلي. ولما كان نوح وذووه هم الذين بقوا بعد الطوفان كانوا بلا مراء يستعملون أو يتكلمون لغة الإنسان الأولى. ظل نسل نوح يتكلم هذه اللغة مدة أربعة قرون حسب الترجمة السبعينية. أما الذين اخترعوا الحروف الهجائية فهم الفينيقيون الذين فضلوا على العالم بأسره بمصنوعاتهم وآدابهم التي منها اختراع الحروف الهجائية. ثم كثرت اللغات وتنوعت إلى أن بلغت ما بلغته في هذا العصر.