قلت وبعض ما قاله هذا المؤرخ من الاستدلال بالإقدام عَلَى الأشخاص صحيح والوطء يبقى أثره في الرمل أياماً وليس من الصعب أن يتأثر المرء هنا من استباح جنته فإنه إذا علا نشزاً من هذه الرمال وهي عبارة عن تلعات ومنعرجات ومنفرجات وأحادير لا يلبث أن يشاهد السائر من مسيرة ساعات وفي اليوم العاشر اجتزنا بالعريش وهو من البحر الأبيض عَلَى نصف ساعة فالمسعوديات عَلَى الساحل وفي الحادي عشر نمنا بالمزار وفي الثاني عشر بالجنادل وفي الثالث عشر بأبي العفين وفي الرابع عشر مررنا بقطية وبتنا بعراص، وفي الخامس عشر بلغنا الإسماعيلية فالقاهرة.
هذا هو الطريق الذي كان يطرقه المصريون والشاميون منذ علاف التاريخ وكثيراً ما كان بعضهم يؤثرونه عَلَى ركوب المراكب والسفن الشراعية لما كان فيها من الأخطار أيام لم يكن البخار يسير مراكب البحار قطعناه في أربعة عشر يوماً وكان أجدادنا يقطعونه في أربعة أيام عَلَى خيل البريد ومن هذا الطريق سار عمرو بن العاص سنة ١٩ للهجرة لفتح مصر فنزل العريش ثم أتى الفرها وبها عَلَى رواية البلاذري قوم مستعدون للقتال فحاربهم فهزمهم وحوى عسكرهم ومضى إلى الفسطاط، والفرما أو الفرماء كان حصناً عَلَى ضفة البحر يحمل إليه مياه النيل في المراكب من تنيس ويخزن أهله ماء المطر في الجباب وكان بعض أهلها قبطاً وبعضهم من العرب وقد ورد ذكرها كثيراً في شعر أهل القرون الأولى وفي الفرما أوق الخليفة المأمون رضي الله عنه لما سار إلى مصر فبلت فيها وقد ذكر بغداد ونعيمها وقصورها فقال:
لليلك كان بالميدا ... ن قصر منه بالفرما
غريب في قرى مصر ... يعاني الهم والسدما
والميدان من أحياء دار الإسلام والسدم الهم مع الندم والحزن ذكر المقريزي أن الدرب الذي يسلك فيه إلى مصر في القرن التاسع للهجرة لم يحث إلا بعد الخمسمائة من سني الهجرة عندما انقرضت الدولة الفاطمية. وفي المسالك والممالك أن الطريق من دمشق إلى الكسوة اثنا عشر ميلاً (كذا والميل بحسب اصطلاحهم ثلاثة آلاف ذراع بالهاشمي والذراع أربعة وعشرون إصبعاً والإصبع أربع شعيرات ظهر واحدة إلى ظهر الأخرى والشعيرة أربع شعيرات من ذب بغل) ثم إلى جاسم بلد أبي تمام الطائي أربعة وعشرون ميلاً ثم إلى فيق