النيل والفيوم جليل به مزارع الأرز الفائق والكتان الدون ولها قرية سرية تسمى الجوهريات والعلاقى مدينة في آخر الكورة عَلَى طريق عيذاب وأما الواحات فإنها كانت كورة جليلة ذات أشجار ومزارع وإلى اليوم يوجد فيها صنوف الثمار وأغنام ونعم وقد توحشت متصلة بأرض السودان تمس إقليم المغرب وبعض يجعلونها منه.
تنيس بين بحر الروم والنيل بحيرة فيها جزيرة صغيرة قد بنيت كلها مدينة وأي مدينة هي بغداد الصغرى وجبل الذهب ومتجر الشرق والغرب أسواق ظريفة وأسماك رخيصة وبلدة مقصودة ونعم ظاهرة وساحل نزيه وجامع نفيس وقصور شاهقة ومدينة مفيدة رفقة إلا أنها في جزيرة ضيقة والبحر عليها كحلقة ملولة قذرة والماء في صهاريج مغلقة أكثر أهلها قبط والبلاذات تطرح إلى الطرق وبها يعمل الثياب والأردية الملونة وثم موضوع قد نضد فيه موتى الكفار بعض عَلَى بعض ومقابر المسلين وسط البلد.
دمياط تسير في هذه البحيرة يوماً وليلة ربما لقيك ماء حلو وأزقة ضيقة إلى مدينة أخرى وهي أطيب وأرحب وأوسع وأفسح. وأحزب وأكثر فواكه. وأحسن بناء وأوسع ماء. وأحذق صناعاً. وأرفع بناء وأنظف عمالاً. وأجود حمامات. وأوثق جدارات. وأقل أذيات. من تنيس عليها حصن من الحجارة.
كثيرة الأبواب وفيها باطات كثيرة خربت ولهم موسم من كل سنة يقصدها المرابطون من كل جانب وبحر الروم منها عَلَى صيحة دور القبط عَلَى ساحله وثم يفيض النيل في البحر. وشطا قرية بين المدينتين عَلَى البحيرة يسكنها القبط وإليها ينسب هذا البز وطحا قرية بالصعيد يعمل بها ثياب الصوف الرفيعة ومنها كان الفقيه الإمام أبو جعفر الأزدى ويصنع ببهنسة الستور والأنماط والكتان الرفيع مزارعه ببوصير.
جمل شؤن هذا الإقليم
هذا إقليم إذا أقبل فلا تسأل عن خصبه ورخصه وإذا أجدب فتعوذ بالله من فحطه يمد سبع سنين حتى يأكلون الكلاب ويقع فيهم الوباء المبرح اشد حراً من سواحل الشام ويبرد في طوبه برداً شديداً به نخيل كثيرة وعامة ذمته النصارى يقال لهم القبط ويهود قليل. كثير المجذمين وبيت الجرب لأنه عفن وأكثر أدمهم السمك. وعلى مذاهب أهل الشام غير أن أكثر فقهائهم مالكيون ألا ترى أنهم يصلون قدام الإمام ويربون الكلاب.