يكون الفتح الاستعماري مشفوعاً بالرفق والرحمة والتساهل في معاملة الشعوب الإسلامية وأن يكون أساس الاستعمار في تلك الأقطار المصالح الاقتصادية وأن تدار البلاد بأيدي أعظم رجل الإدارة ممن تتعلم منهم وزارات الأوربية دروساً في الاستعمار.
واخذت إيطاليا بتنظيم كلية بادو التي كانت اتخذتها جمهورية البندقية منذ قرنين مدرسة لتخريج رجال سياستها وتراجمتها وسماسرتها تدرس فيها اللغة العربية والفارسية والتركية ولاسيما العربية وستعنى هذه المرة بالعربية أكثر ليكون من متخرجيها أعظم الإداريين المستعمرين لليبيا وتضاف إلى دروسها اللهجات البلقانية المنوعة ممن تتجر معهم البندقية وإيطاليا. ولجنوة درس عربي طالما تناوب تدريسه أعظم مستشرقيها وهي اليوم تطالب بأن يكون لها امتياز بتخريج رجال الإدارة والاستعمار بإنشاء كلية بحرية استعمارية فيها وكذلك سيكون لكلية بولون أثر عظيم في تخريج رجال بالعربية كما منهم حظ ليس بقليل الآن. وفي رومية في مدرسة الدعوة إلى الإيمان درسان للعربية والسريانية وكذلك مدرسة القديس أبولينير فإن درس العربية يدرسه فيها الأسقف بوغاريني وتفتخر الحكومة اللادينية في رومية بأن فيها درساً للغة العربية وآدابها بزعامة الأستاذ سكياباريللي والحبشية تحت نظارة كويدي. وفي جنوب شبه جزيرة إيطاليا المملوء بتذكارات إسلامية والقريب من حيث الوضع الجغرافي من بلاد المسلمين كلية بلرمة التي تدرس العربية فيها كل من الأستاذين ناينو وبوبونازا واقتصرت نابولي عَلَى تعليم العربية بالعمل كما تعلمها بالنظر أيضاً. وفي نابولي مجمع شرقي يعلم بالعمل اللغات الحية في آسية وأفريقية وفيه تلامذة صينيون وهنود وبلغاريون وصربيون وفلاخيون وألبانيون ويونان. وفي سنة ١٩٠١ عيد تنظيم هذا المجمع عَلَى مثال مدرسة اللغات الشرقية في باريز ويمتاز بأن دروسه مجانية ولا يمتحن الطلاب فيه.
لا جرم أن فتح طرابلس سيزيد في نجاح هذه المدرسة فيكون لإيطاليا الحظ بأن تكون دولة تحيا فيها المدنية الشرقية في البحر المتوسط عَلَى ما يبدو الآن لأعين الشعوب الإسلامية النازلة في البحر المتوسط من أن هذه الدولة حديثة العهد بنفوذها بما ترسله من فقراء المستعمرين والعاملين القادرين عَلَى منافسة اليد العاملة الوطنية. اهـ.