للفرس أيضاً بعض العظمة والمجد. وفي القرن السابع والثامن امتدت المملكة العربية أيضاً من البحر المتوسط إلى نهر السند واتصلت تخومها من آسيا إلى المملكة المقدونية ما عدا قسماً طفيفاً في الجنوب. ومن القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس عشر كانت غارات البرابرة الذين توطنوا أوربا واضطربت آسيا الغربية تلك المنطقة التي هي أوربية وآسيوية معاً بمن هاجر إليها من الشعوب واستولت مملكتا جنكيزخان وتيمورلنك عَلَى جميع البلاد من آسيا الصغرى إلى نهر القنج. وظلت القسطنطينية زمناً آخر سياجاً لأوربا في وجوه الفاتحين المداهمين من الشرق الأقصى أو من نجاد آسيا الوسطى. ودك آخر تيار من هؤلاء المهاجمين ألاسيويين سنة ٤٥٣ أسوار مدينة القسطنطينية معقل النصرانية من الإسلام وامتدت المملكة العثمانية زهاء أربعة قرون عَلَى أوربا الشرقية وآسيا الغربية من الخليج الفارسي إلى نهر الطونة (الدانوب) إلى البحر الأدرياتيكي وتدخل سلطان القسطنطينية في القرن السادس عشر في مسائل أوربا وكان قد حالف ملك فرنسا واخضع علىنهر الطونة الأوسط التخوم الألمانية وقد بلغت هذه السطوة في عهد سليمان الكبير (١٥٢٠ - ١٥٦٦) ذروة المجد والعظمة. .
ولكن تغلب العثمانيين لم يغرس في البلاد المنفتحة وسيما في أوربا جذوعاً عميقة فزلوا عَلَى الأمم المغلوبة بدون أن يحاولوا الامتزاج بها وربما كان من المتعذر مزج العثمانيين وهم من عنصر تتري مع اليونان أو الصقالبةالسلافيين وهم من عنصر آري واختلاط المسلمين بالمسيحيين. واكتفى العثمانيون بإلقاء الرعب في سطوتهم في نفوس المغلوبين عَلَى أمرهم وبإطفاء كل ثورة بالشدة المتناهية. دام ذلك إلى زمن ضعفت فيه تلك القوة أيام أصبح السلاطين يؤثرون العيش بين جواريهم عَلَى اقتحام الحروب وغدا البنجربة الإنكشارية وهم متزوجون رحالون وأمر الحرب في أيديهم يشتدون فيه اشتداد وقسوة وجبروت ومنذ ذاك العهد أي منذ القرن السادس عشر ضعفت المملكة العثمانية وراجعت حدودها مضغوطة عَلَى نفسها وذهبت نضرتها وجمدت مائيتها كالثمرة تتغضن إذا عتقت. .
فنزول المسلمين في أوربا وفي آسيا عَلَى ضفاف خليج القسطنطينية البوسفور وجناق قلعة الدردنيل قد نشأت عنه المسألة الشرقية وما تاريخها في الحقيقة سوى تاريخ ارتقاء الأمم