قيده ضابطاً لما كتبه جميل الكتب مهتم بما يمسكها في ثياب الشرب إكراماً لها وصيانة وجمع كتاباً في أعلام نبوة نبينا عليه الصلاة والسلام أخذه الناس إلى غير ذلك من تواليفه وتوفي رحمه الله في شوال سنة سبع وثمانين وأربعمائة.
وترجمة الفتح ابن خاقان في قلائد العقبان بما صورته: عالم الأوان وقدره ومصنف البيان ومشنفه بتواليف كأنها الخرائد وتصانيف أبهى من القلائد حلى بها من الزمان عاطلاً وأرسل بها غمام الإحسان هاطلاً ووضعها في فنون مختلفة وأنواع وأقطعها ما شاء من إتقان وإبداع أما الأدب فهو كان منتهاه ومطحل سهاه وقطب مداره وفلك تمامه وإبداره وكان كل ملك من ملوك الأندلس يتهاداه تهادي المقل للكرى والآذان للبشرى عَلَى هناة كانت فيه فإنه رحمه الله مباكر للراح ولا يصحو من خمارها ولا يمحو رسم إدمانه من مضمارها ولا يريح إلا عَلَى تعاطيها ولا يستريح إلا إلى معاطيها قد اتخذ إدمانها هجيره ونبذ من الأقلاع نبذ عاصم بن الأيمن مجيره فلما حال انقراض شعبان وانصرامه كانت فيه مستبشعة الذكر مستنشعة النكر تمجها الأوهام والخواطر ويثبتها السماع المتواتر.
وقد أثبت ما يشهد لك بتقدمه ويريك منتهى قدمه رايته وأنا غلام ما أقمر هلالي ولا نبع في الذكاء كوثري ولا زلالي في مجلس ابن منظور وهو في هيئة كأنما كسيت بالبهاء والنور وله سبلة يروق العيون إيماضها ويغرق السواد بياضها وقد بلغ سن ابن ملحم وهو يتكلم فيفوق كل متكلم فجرى ذكر ابن مقلة وخطه وأفيض في رفعه وحطه فقال:
خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه وأصبحت مقلاً
فالدر يصفر لاستحسانه حسداً ... والورد يحمر من إبداعه خجلاً
وله فصل من كتاب راجع به الفقيد الأستاذ أبا الحسن بن دريد رحمهما الله: وتالله إني لا أطعم جنى محاورتك فيقف في اللهاة وأجد لتخيل مجالستك ما يجده الغريق للنجاة وأعتقد في مجاورتك ما يعتقده الجبان في الحياة.
متى تخطئ الأيام في بأن أرى ... بغيضاً يناءي أو حياً يقرب
ورأيت رغبتك في الكتاب الذي لم تحرر ولم يتهذب وكيف التفرغ لقضاء إرب والنشاط قد ولى وذهب فما أجده إلا كما قيل:
نزراً كما استكرهت عائر نفحة ... من فارة المسلك التي لم تفتق