لا تعملوا عَلَى ما فيه هضم حقوق الوجدانات واستعبادها بل تلقونها اعتقادات لا تحلم النفوس أن تدافع عنها بحجة أنكم تريدون أن تعدوا عقولاً حرة ذات كفؤ للعمل. الحكومة الجمهورية لها الحق في البقاؤ بل يجب عليها أن تحرص عليه وتحتاط لنفسها وتدافع عن حوزتها. فهي قائمة عَلَى محض احترام الحريات المتبادلة ومن حقها بل من واجبها أن تعد جيلاً من الناس يكون منه ضمان بقائها وارتقاء قوانينها.
يعتقد بعضهم في جمهوريتنا بأنها جعلت للفرد مكياناً فراح يتخيل إليه بأنه عنصر من المجتمع لا يقوم بغيره. نعم إن أفراد جمهورية حرة لا يتأتى إلا أن يكونوا رجالاً فيحب أن يكون لهم من أنفسهم ما يعلي مقامهم في عيونهم وما يرفع من دركات البهيمية لتكون لهم إرادة وحرية فيفهمون معاني الاعتدال والحكمة والمفاسد والخرافات. فالمرء إذا انقسم عَلَى نفسه واستعبد لشهواته لا يكون إلا متعدداً مشتتاً له علاقة بكل شيء إلا نفسه. وأول ما يفرض عَلَى الإنسان أن يجعل لنفسه كياناً في أفكاره وأعماله ومضاء نفسه.
لا يعد الإنسان إنساناً إلا بين الناس وكل ما يحرره من عبوديته القديمة ويعلي مقامه عن دركات البهيمية ويصفه بالأوصاف الجميلة ويحدد له عمله (سواء كان بالعلم أو بالصنائع أو بالأخلاق) ينشأ من مساعدة الأفكار بعضها لبعض ومن مشاركة الإرادات والمقاصد. أنا لست إنساناً حقيقياً إلا إذا ارتضيت بقانونه الاشتراك والتضامن بحيث أكون مديناً للمجتمع ومساعداً لجميع أخواني فغي البشرية ولهم علي من الحقوق مثل مالي عليهم اهـ.
هذه شذرات من هذا الكتاب النافع ولو اتسع لنا المجال أكثر من الآن لاقتبسنا منه فوائد كثيرة وهو كلمة عَلَى سق واحد ولا حشو فيه ولا لغو فمن فصوله الممتعة الفصل الذي عنوانه تعاون الأفكار وكليات الشعب وفصل التعليم العالي عند الشعب وفصل التربية والثورة أو الانقلاب وفصل قصر الشعب وفصل كلية الشعب وأعمال العملة وكليات الشعب وفلسفة الشعب والتعليم الثانوي والفلسفة وغير ذلك من الممتع الرائق فيا حبذا لو صحت عزائم من يحسنون التعريب عن اللغات الإفرنجية إلى ترجمة مثل هذه الأسفار النافعة باللغة العربية فيبثوا فيها روحاً عالية جديدة وذلك أفيد للناس من مشاغب السياسة والأحزاب لأنه هو الأساس ولا بناء بدون أُس قوي.