للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الآخر وإن كان لا علاقة له به أو هو يخالفه من كل الوجوه والفرق بيننا وبين الأمم الغربية أن خاصيتهم هناك يحاربون تلك الجراحات بمواعظهم وأقلامهم وجمعياتهم وحكوماتهم ونحن معها سكوت لا نتكلم كالبله المتناومين ومن نسميهم منا الخاصة لا يحلمون بغير منافعهم ومظاهرهم.

الشعب الإنكليزي باتفاق الآراء أرقى شعوب الأرض أخلاقاً وأكثرهم حرية واستقلال أفكار ومع هذا ترى الجنون يزيد معدله فيهم بهذه الحضارة وتكثر أمراضهم من آثارها وذلك لانتشار المسكرات بينهم وشدة الجهال في الحياة ثم أن العهر يزيد عَلَى معدل ذلك الشقاء المستحوذ وقلة الاحتفال بالدين مع أن الشعب الإنكليزي من أكثر الشعوب تمسكاً بالأديان.

ظهر في باريز تاريخ الشعب الإنكليزي في القرن التاسع عشر للمسيو هالفي من علماء الفرنسيس وفيه العجب العجاب من أحوال البريطانيين قال فيه أن أخلاق هذه الأمة غريبة الشكل في المحاكم فإن منظر الجلسات في المسائل الجنائية يدهش به الغريب وذلك ترى أن مكتب القاضي غاصاً بالزهور وكذلك مكتب كاتب المحكمة ويحمل الضباط المحضرون باقات الزهور أيضاً ويجعل القاضي عَلَى رأسه شعراً مستعاراً فإذا أراد إصدار حكمه يخلي سبيله للناس فيسمح بدخولهم وفيهم كثير من الجميلات المعشوقات من بنات الولاية أو المقاطعة فيقفن فيستمعن للأحكام ومنها ما يكون الإعدام شنقاً فيتظاهرون بالتأثر ثم يخرجن من هناك ولا يلبثن أن يرقصن رقصهن اللطيف والمحكوم عليه يفكر في صدور الحكم عليه وهو بين ذاك الجمع من ربات الدلال والظرف.

وكذلك ترى الغرابة في الانتخاب لمجلس العموم فإنها تدوم خمسة عشر يوماً ويدفع المترشحون جميع نفقات الناخبين ومن انبسطت يده بالعطاء أكثر ورد أطعمته وأشربته فاستطابها منتخبوه كانت غلبته للنيابة مضمونة ويكفي أن يقال أن ثلاثة مرشحين عن يوركشير سنة ١٨٠٧ أنفقوا لنيل كرسيين في مجلس النواب خمسمائة ألف ليرة إنكليزية حتى إذا ظفر اثنان منهم لم يسلما من إهانة الأمة التي كانت تلقى عليها الأوساخ والأوحال فكان الإنكليز بذلك يقتدون بإجراء طرق الرومان في رومية ممن لم يكونوا يصعدون القلعة يوم مبايعتهم قبل أن ينالهم خصومهم بأنواع السخرية والشتائم.

وليس تاريخ الإنكليز غريب فقط بل هو معلم أيضاً وفيه مثال واضح من تغالي القوم في