طلابها، حتى خلت الديار من كل معهد علمي، وأقفرت الربوع من كل أثر صناعي، ولولا أن تواريخ تخبرنا بمدنيتهم البائدة، وآثارها نرها كل يوم بأعيننا تنطق بعظمتهم، وضخامة ملكهم، وخطورة حضارتهم، فتذكرنا بعزنا الدابر، ومجدنا الغابر، لانقطع حبل الأمل من كل نهوض، وبات الباحثون يجزمون بأن استرجاع ذلك المجد الأثيل، ضرب من الأماني والغرور.
وبعد فإن العراق لم يقصر في مجاراة الأمم الحية التي أخذت تحارب الجهل بما في وسعها، وتندفع اندفاعاً عظيماً إلى الوصول إلى الدرجة المطلوبة من المدنية والعمران، لو لم يحل بينه وبين ما يتمناه استبداد المستبدين، وظلم الظالمين الذين اخذوا عَلَى عاتقهم محاربة الأمة وبخسها حقها، واحتجان مرافقها، ووضع العقبات الكؤود في طريقها وسيرها نحو العمران والرقي ولاسيما في العراق من الرجال العظام من شهدت بفضلهم، وغزارة علمهم كبار الأمم.
٢ً آثار النهضة وبوارقها.
في العراق اليوم نهضة أدبية اجتماعية تبشرنا بمستقبل زاهر، فقد ثبت لدى العراقيين أنه قد جاء اليوم الذي تظهر فيه مقدرة الأمم، وحياة الشعوب والوقت الذي يجب أن ينبذ فيه أولو الغايات من كل ملة غاياتهم، وينزع فيه الأولياء إلى إيثار المصلحة العامة، ويتحرك فيه الجامدون ليعلم إنهم أحياء، والحياة اليوم مضمونة بالاجتماع والاجتماع إنما يتم بالتعاضد عَلَى جلب الخير، ودفع الضير، ومما يستدل عَلَى وجود تلك النهضة اندفاع الجماعات من الطبقة المنورة من كل ملة ونحلة إلى تأسيس أندية أدبية، وتأليف جمعيات علمية، تضم شتاتهم، وتجمع متفرقهم، وتقرب بعضهم من بعض، وتبث المبادئ القويمة، والتربية الصحيحة بين الناشئة الحديثة بأن تجرد الأمة منها سيوفاً صقيلة تقارع بها أعداءها وتفتخر بها إذا فاخرت كل أمة بناشئتها، ويرجع تاريخ هذه النهضة الأدبية، والعلمية معاً إلى أوائل الدستور وها نحن ذاكرون ما في بغداد وما يجاورها من المواطن والربوع من أندية العلم والسياسة شارحين للقراء ما يهمهم من تاريخ تأسيسها وعدد أعضائها، ومكانتها بين القوم وما ظهر لها من الاثار.