الوحدة الايطالية أزمة الأمر بيدها واستولت على أموال الرهبنات وكنائسهم وأوقافهم سنة ١٨٧٠ لأن جميع مرافق البلاد المهمة كانت بأيديهم إذ ذاك فغيرت بعض المعاهد وجعلت بعضها مدارس ومتاحف ودواوين حكومة وثكناً للجند وغير ذلك وحظرت على أي جمعية دينية امتلاك ملك إلا أن لرئيس الجمعية أن يملك ما يشاء وقد عادت الملة النصرانية فأخذت تدر المال على رجال الدين بعد الوحدة الجديدة ولذا تراهم يعيشون عيشاً حسناً وأديارهم وكنائسهم منظمة وإرادتهم دارة نامية والفضل في ذلك يرجع إلى المتدينين من أغنياء الكاثوليك في العالم.
قلنا أن الحكومة الايطالية عينت منذ زهاء أربعي سنة راتباً لإمام الأحبار ولكنه لم يقبله بعد أن رعت منه السلطة الزمنية وكانت بيده هي والسلطة الروحية بيد أن الحكومة وضعت المبلغ تحت أمره في المصارف وفي كل خمس سنين ترفع منه الفائدة فقط وتبقي رأس المال بحاله الذي يزيد كل سنة حتى بلغ فيما بلغني ١٨٠ مليون فرنك وحضرة البابا لا يريد أن يتناوله وهكذا عف هو وأسلافه وسيتعفف أخلافه عن أخذ مال ممن يرونهم غاصبين حقهم معتمدين على سلطتهم.
إن انشقاق ألمانيا وانكلترا وغيرهما عن الكنيسة الكاثوليكية بقيام أمثال جان هوس وكلفن ولو ثيروس في أوائل القرون الحديثة وتلك الأزمة التي دخل فيها المقام البابوي إذ ذاك لم تؤثر كثيراً في سلطته على الأرواح والأشباح وكذلك تغلب الحكومة الزمنية في إيطاليا على جيش البابا يؤثر كثيراً فبقي مقام حضرته مقدساً وكذالك الكرادلة والأساقفة والقس والرهبان وذلك لأن عمل هؤلاء الرجال قائم على أنظمة وقواعد معينة لا تغيرها الطوارئ والرزايا ولأن هذه السلاسل في مراتب الكهنوت لا يصل إليها المريد إلا بالتعلم والتهذيب على الأصول المتبعة وكل ما جعلت التربية والتعلم أساسه يثبت وبعم أثره ويوفق الناهضون به.
ولقد لاحظنا أن الفتن الدينية التي أثارها التعصب الديني في القرون الوسطى كانت في ايطاليا أقل مما هي في فرنسا واسبانية حتى أن الإسرائيليين في اسبانية لما ذاقوا العذاب الأليم جلوا عن بلادهم فكان من إيطاليا أن قبلتهم وهذا ناشئ من لين أخلاق الشعب هنا ويرجح أن كل ما وقع من الاضطهادات لم يكن مما وقف الرؤساء على حقيقته ولو رجعنا