للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كيماوي آني قوة في التدمير أرقى من قوة البارود لأن التهاب هذا لا يكون إلا بالحرارة فهو أكثر بطئاً وقد استعيض عن بارود المناجم بالديناميت (لا في حفر الخنادق والنشافات البحرية فقط بل في معظم أعمال البناء في الطرق) فإن بارود الحرب الذي احتفظ به استعيض عنه بالبنادق تحشى ببارود جديد لا دخان له اخترع سنة ١٨٧٠ في عدة ممالك على حدة واتخذت في المدافع مركبات من حامض ملح البارود أو حامض البيكريك (هو حامض يؤلف بعمل حامض ملح البارود على النيلة وعود الند) كماد الميلتيت الملتهبة ومادة الروبيريت الخ.

ولقد حدث على ذلك العهد تبديل في استعمال الأسلحة فاخترعت البنادق ذات الطلق الأوسط تجعل فيها خرطوشة مهيأة تدخل في مؤخر البندقية مما زاد كثيراً في السرعة وقليلاً في تنظيم الرماية وكان أول تطبيق لهذه الطريقة بندقية الإبرة (دربس) التي اعتمد عليها المشاة في الجيش الروسي منذ سنة ١٨٤٧ ولم تهب سائر البلاد إلى الاقتداء بها وظلت فرنسا مكتفية ببندقية الصيد (لوفوشو) وبعد أن أحرز الألمان الظفر سنة ١٨٦٦ تنوعت البندقية التي كانت تحشى من مؤخرها مثل (شاسبوت وماوزر ومارتيني) أنواعاً كثيرة وأصبحت سلاح أورباكلها ومثل هذا الارتقاء حدث في المدفعية فبعد المدفع ذي الخطوط الداخلية ظهرت المدافع التي تملأ من مؤخرها (ارمسترونغ منذ سنة ١٨٥٤) ثم جرى تحسينها في ألمانيا (معمل كروب) ثم أنشئت المدافع من الفولاذ وأخذت تلك المرامي تقذف قنابل من الميلنيت وانتظم هذا الانقلاب في الأسلحة بالاكتشافات الكيماوية وكان من أثر البارود بلا دخان أن زاد قوة الالتهاب وخفف من ثقل البندقية وأن جعل القذيفة أصغر حجماً وأعظم جرماً وهذه البندقية هي التي دعيت بندقيه لبل.

ولقد حولت هذه الأدوات الحديثة في التدمير بما تم لها من الأثر الذي فاق القديم منها أسباب الحروب ففقدت المدن القديمة القوية بضعفها عن المقاومة ما كان لها من الحصانة الحربية في الدفاع عن التخوم ولم يعد المدافعون يعتمدون على ما سوى إقامة المعسكرات المحصنة بالخنادق ومراكز للذخائر تحميها سلاسل من الحصون المنفصلة وأصبحت تعبئة الجيش الكثيف متعذرة بالبنادق ذات الطابع السريع والقذائف وحلت محل عمل المدفعين المنفردين اللذين يعمدون إلى شجون الأرض فيتحصنون وراءها.