لم يرزق شاعر عربي من الخطوة ما ناله أبو الطيب المتنبي بشعره ولم تتناول الأقلام شعر شاعر بالمدح والقدح مثله. وهذا الكتاب هو من الأمهات التي كتبت في ذاك العصر وعدل مؤلفها في حكمه على المتنبي وناهيك بمن يحكم له وعليه أمثال القاضي الجرجاني إنسان حدقة العلم ودرة تاج الأدب وفارس عسكر الشعب كما قال الثعالبي.
ولقد أجاد صديقنا صاحب العرفان بنشر هذا السفر النفيس كل الإجادة فإحياءه بالطبع منقولاً عن نسختين إحداهما عراقية والثانية مصرية وعلق عليه شروحا خفيفة تبين بعض الغوامض اللغوية منه وأتبعه بفهارس لأسماء الأعلام وللأبيات الشعرية وجود طبعه حتى جاء كأنه طبع على يد احد علماء المشرقيات من الغربيين ولم ينقص هذا العمل سوى الشكل فلو كان شكل محل الأشكال لجاء كتاباً تاماً من كل وجه وانتفع به الطلاب كما انتفع الأساتذة.
الكتاب مجموعة فوائد لغوية وأدبية وهو غاية الغايات في تعليم النقد ويكفي في الدلالة على مكانته من الدب ما قاله صاحب اليتيمة: ولما عمل صاحب رسالته المعروفة في إظهار مساوئ المتنبي عمل القاضي أبو الحسن كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه في شعره فأحسن وأبدع وأطال وأطاب وأصاب شاكلة الصواب واستولى على الأمد في فصل الخطاب وأعرب عن تبحره في الأدب وعلم العرب وتمكنه من جودة الحفظ وقوة النقد فسار الكتاب مسير الرياح وطار في البلاد بغيرناح.