التي جربها بنفسه فقط ويبقى المتطبب على حذر من طبه وقد يلام من يسلم نفسه إليه ولو أصاب ولا يلم من سلم نفسه إلى القانوني ولو أخطأ وهذا كله من مقتضى مقام العلم.
كذلك خروج رجال السياسة من رواق طلبة الحكمة وصف حملة الأقلام في الأعم الأغلب أقرب إلى لسلامة من خروجهم من طبقة أخرى انحصر فضلها في التجارب الشخصية ولزم أن يخرج صاحبها خارق العادة في الذكاء وبيضة عصره إدراكاً ومضاءً حتى يكون له من عقله مغن عن الدرس فإن طبقة أهل النظر والعمل معاً هي التي جمعت نوراً على نور وضمت بين وحي الصدور ووحي السطور.
وإن ملكة الصين التي فرطت إلى حوض المدنية منذ الآلاف من السنين قد جعلت نظامها من القديم الترقي إلى الإدارة بمعراج الدرس وإن أهم أوضاع مملكتهم هو الامتحان وهو عندهم درجات كلما اجتاز منه الدارس عقبة اعترضته أخرى حتى يجتازها كلها ويكون نيله من مناصب الدولة على قر مضائه في الامتحان ومن كان عندهم أعلى حكمة كان أعلى حكم وإنما سلكت حكومات أوروبا في تعليم رجال الإدارة عل أثرهم وإن كانت طريقة هذا التعليم في أوروبا قد تهذبت وترقت وصارت أقرب إلى الفائدة. فإن الأوروبيين قد جعلوا العلوم فروعاً وأفناناً ورشحوا لكل فن منها طلاباً ليكونوا أقوم عليها من غيرهم وأرسخ فيها من سواهم ومع هذا فلا تزال ترى لرجال القلم المزية الكبرى على غيرهم لأن العلم بلا قلم أشبه بطائر أخص الجناح صاحبه عاجز عن الرقي وإن القلم في كف العالم هو أداة التقدم وجناح النجاح ولهذا تجد أكثر رجال السياسة والإدارة في أوربا ولاسيما في فرنسا هم من حملة الأقلام وكتاب الصحف ورقاة المنابر ويندران يوجد فيهم نابغة أو رجل مشهور إلا وقد سبق له كتابة أو مؤازرة في إحدى الجرائد وذلك أن ثمرات العلم لا تعرف إلا على أسلات الأقلام فمن ظهرت له بينهم آثار فائقة انتخبوه للندوة ثم إن امتاز فيها بين الأقران رفعوه إلى الوزارة سمعاً في إفادة البلاد من معارفه إذ كان العلم على الغالب بالعمل والنظر طريقاً إلى الأثر.
أول سيمون مترجمكم في الشهر الماضي فقد عرفته في باريس سنة ١٨٩٢ وكان ساكناً في ساحة المادلين وقد ذرف على الثمانين وهو يكتب ويحبر ويؤازر في جملة جرائد وكلماته تشترى بالذهب وكم حبر أغلى من تبر والى الآن لا أنسى لذة فصوله القصار في جريدة