وإنما أقول أنه منذ القرن الثامن للهجرة (القرن الخامس عشر للميلاد) أصبح الشعر صورة كيكية فاسدة. وتقليداً سقيماً للأشعار القديمة لا أثر فيها للابتكار على الإطلاق وأصبح الشعراء - استغفر الله بل الناظمين - أضحوكة يقلدون من سلفهم تقليداً أعمى مع جهل مطبق بروح الشعر القديم وبأحوال الزمان الحديث على السواء فتراهم كما كان الحال أيام امرئ القيس وأصحاب المعلقات يبدأون بذكر المضارب والخيام في الصحارى والقفار ويشكون من الظمأ ويخاطبون الناقة التي أخناها السير وأنهكها التعب ويغزلون بمحاسن المحبوبة بنفس لاألفاظ التي كان تغنى بها الشعراء أيم البداوة مع أنهم يقيمون في مدائن آهلة بالسكان ومنازل عامرة توفرت لهم فيها أسباب الراحة والزفاه وبجانبهم أنهر جارية تروي مياهها ما هم فيه من الظمأ وهم يتطون صهوات الجياد أفنات عليها السروج من الخز وقد تحجرت قلوبهم فلا تنبض لهوى ولا تشعر بعاطفة من عواطف الغرام!
ولكن ذلك لا يمنعنا أن نقول كما قال الأستاذ جول لومتر إن الشعر في مجموعة بما حوى من العواطف الرقيقة أنقى شعر عرفه العالم وقد أضاف الأستاذ إلى ذلك وهو الناقاد البصير الذي لا يلقي الكلام على عواهنه أنه أقرب الأشعار إلى المعاني الرجولية والشرف والحياء الصحيح والشهادة أه.