والآيات الشريفة المنزلة في تدبير الملك وسياسة البلاد والعباد فأفاض في هذا الباب أحسن إفاضة وإليك بعض ما قاله:
. . العدل من أعظم الأركان التي بها قوام السلطنة والملك ودوام الدولة فإنه ميزان الله تعالى في الأرض الذي يأخذ به للضعيف من القوي والحق من الباطل قال الله تعالى إن الله يأمر بالمعروف وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون. وقد شبهوا الملك بالرجل واعتبروا السلطان رأسه والوزير قلبه والأعوان يديه والرعية رجليه والعدل روحه وهو موجب لاجتماع الرعية على محبته المفضي إلى استقامة أمره ونظام ملكه وإذا عدل السلطان قرب منه وصلح له وعدة السلطان ثلاثة أمور مشاورة النصحاء وثبات الأعوان وترويج سوق العدل ثم العدل ينقسم إلى قسمين قسم إلهي جاءت به الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن الله تعالى وهو الشرائع وقسم يشبه العدل وهو السياسة الاصطلاحية ويستحيل أن يدوم بقاء السلطان أو تستقل رعية في حالة إيمان أو كفر بلا عدل قائم ولا ترتيب للأمور ثابت ووافقت حكماء العرب وغيرهم على هذه الكلمات فقالوا الملك بناء والجند أساسه فإذا قوي الأساس دام البناء فلا سلطان بلا جند ولا جند بلا مال ولا مال إلا بالعمارة ولا عمارة إلا بالعدل فصار العدل أساساً لسائر الأساسات. . ثم أشبع الكلام عن الفقهاء والقضاة والتجار والرعية والخراج ومصالح الدولة ودواوينها مما دل على سعة خبرة وغزارة فضل وبعد غور في الشؤون الاجتماعية ثم أسهب في فضل العلم وحملته وحث الناس على تلقنه وتكلم باختصار عن الكيمياء والهندسة والحساب والجبر والسيمياء والنجوم والموسيقى والفلسفة إلى غير ذلك من الأبحاث الشائقة الرائقة.
وكتب في المسلك الفصل الأول عن فضائل بغداد وبنائها وبانيها وبيان سواد العراق وخراجه وعشره وأنهار الزوراء وجسورها وعشائرها وأكابرها المعاصرين له وغير ذلك مما يتعلق بأحوال بغداد ومما أفاض في ذكره وبعد من جملة حسنات كتابه الكلام على بيوتات بغداد فإنه أجاد في هذا البحث وأفاد التاريخ فائدة كبرى فدون أسماء البيوتات القديمة وذكر رجالها ومشاهيرها وتراجمهم وأنسابهم وهو بحث جميل قل من تطرق إليه من المصنفين القدماء ومن فصول هذا الكتاب الممتعة كلامه على عشائر العراق ومشايخها وأمرائها ومنازلها وأنسابها القديمة ومذاهبها وعدد رجالها وعقب بعد ذلك الكلام على ذكر