فعين الشرق باكية عليهم ... وعين الغرب تسعد بانتضاح
ومثل ذلك ما ذكره التاج وهو اسم لدار مشهورة جليلة المقدار واسعة الأقطار ببغداد وكانت من دور الخلافة وكان بناه جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك أولا ليخلو فيه بندمائه وقيانه فلما أوقع الرشيد بالبرامكة وكان القصر إلى ذلك الوقت يسمى القصر الجعفري انتقل إلى المأمون فكان من أحب المواضع إليه وأشهاها لديه واقتطع جملة من البرية عملها ميداناً لركض الخيل واللعب بالصوالجة وحيزاً لجميع الوحوش (حديقة حيوانات) وفتح له باباً شرقياً إلى جانب البرية وأجرى فيه نهراً قال ثم نزل القصر الحسن بن سهل والد بوران زوج المأمون ولما طوت العصور ملك المأمون والقصور وصار الحسن بن سهل من أهل القبور بقي القصر لابنته بوران إلى أيام المعتمد على الله فاستنزلها المعتمد عنه وأمر بتعويضها منه فاستمهلته ريثما تفرغ من شغلها وتنقل مالها وأهلها وأخذت في إصلاحه وتجديده ورمه وأعادت ما دثر منه وفرشته بالفرش المذهبة والنمارق المقصبة وزخرفت أبوابه بالستور وملأت خزائنه بأنواع الطرف مما يحسن موقعه عند الخلفاء ورتبت في خزائنه ما يحتاج إليه من الجواري والخدم الخصيان ثم انتقلت غالى غيره وأرسلت المعتمد باعتماد أمره فاتاه فرأى ما أعجبه وأرضاه واستحسنه واشتهاه وصار من أحب البقاع إليه وكان يتردد فيما بينه وبين سر من رأى فيقيم هنا تارة وهناك أخرى ثم تولاه المعتضد وابتدأ في بناء التاج وجمع الرجال لحفر الأساسات ثم مات ولما تولى ابنه المكتفي بالله آت عمارة التاج الذي كان المعتضد وضع أسساه بما نقضه من القصر المعروف بالكامل ومن القصر الأبيض الكسروي الذي لم يبق منه الآن بالمدائن سوى الإيوان فكان الآجر ينقض من شرف قصر كسرى وحيطانه فيوضع في مسناة التاج وهي طاعنة إلى وسط دجلة وفي قرارها ثم حمل ما كان في أسست قصور كسرى فبنى به أعالي التاج وشرفاته قال وما صفة التاج فكان وجهه مبنياً على خمسة عقود كل عقد على عشرة أساطين خمسة أذرع ووقعت في أيام القتفي سنة ٥٤٩ صاعقة فتأججت فيها وفي القبة وفي دارها التي كانت القبة إحدى مرافقها وبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام ثم أطفئت وقد صيرته كالفحمة وكانت آية عظيمة ثم أعاد المقتفي بناء القبة على الصورة الأولى ولكن بالجص والآجر دون الأساطين الرخام وأهمل إتمامه حتى مات وبقي كذلك إلى سنة ٥٧٤ فتقدم أمير المؤمنين