كانت رومية أول مدينة في العالم طبع فيها كتاب عربي عقيب اختراع الطباعة وهو قانون ابن سينا وظلت حركة المشرقيات تختلف ضعفاً وقوة في بلاد الطليان بحسب الحكومات وهم الأفراد والمقصد الأصلي ديني والعلميات بالعرض. وكان لأسرة ميديسيس فضل على الآداب العربية كما لها فضل على الشعر والموسيقى والتصوير والهندسة.
وفي أواسط القرن الثامن عشر لما أخذت أوربا تتحفز لاستعمار الشرق اخذ علماؤها يبحثون في تأليف جمعيات لهذه الغاية فأنشئت جمعية العلوم والفنون في جاوة (١٧٧٨) والجمعية الآسياوية في البنغال (١٧٨٤) والجمعية الأسياوية في بومباي (١٨٠٥) وأنشئت منذ ذاك العهد في أوربا وأمريكا عدة جمعيات للمستشرقين وأقدمها عهداً الجمعية الأسياوية في باريز التي أسست سنة ١٨٢٢ بمعرفة شيخ المستشرقين من الفرنسيس سلفستردي ساسي وهو أعظم من خدم اللغة العربية من الاوربيين والفرنسيس خاصة وربما كان أعظم مستشرق نبغ ونفع (راجع كتابنا غرائب الغرب ص٧٤) فأنشأت هذه الجمعية المجلة الآسياوية وهي خاصة بلغات الشرق وتاريخه وعلومه وآثاره تصدر مرة كل شهرين فيتألف منها مجلدان كل سنة وقد صدر منها إلى الآن زهاء ١٨٠ مجلداً ومن حواها فكأنما حوى أعظم مكتبة في هذه الأبحاث الجليلة.
تخرج في مدرسة اللغات الحية في باريز كثير من مستشرقي الفرنسيس والألمان والطليان والسويسريين وأنشأت معظم عواصم أوربا مدارس على مثالها وان سبقت هولانده فكانت أول من أسس جمعية شرقية في باتافيا كما تقدم سنة ١٧٧٨ وكانت مطبعة ليدن الشرقية أقدم مطبعة طبعة الأمهات من كتب المشارقة والعرب منهم خاصة وذلك منذ زهاء ثلثمائة سنة.
أنشأ المستشرقون عدة جمعيات في أوربا وأسسوا عدة مطابع شرقية وطبعوا بها ألوفاً من كتب الشرق ولا سيما اللغة العربية فان ما طبع من أمهاتها عندهم هو القسم الهم من كتبنا العلمية والتاريخية والأدبية وما زالت الكتب التي طبعتها مطابع باريز وأكسفورد ولندن وليدن وغوتنغن وليبسيك ورومية ومجريط وغيرها من حواضر العلم والمدنية في أوربا باللغات العربية هي المفخر الذي يحق لمدنية القرن التاسع عشر والعشرين في ديار الغرب أن تباهي به الإعصار والأمصار.