وانتخب أمراء القبائل الأمير عبد الرحمن سنة ١٨٨٠ حاكماً لأفغان واشتغل لأول أمره بإطفاء الفتن الداخلية ثلاث سنين. ولما تفرغ لتنظيم الجيش أمدته إنكلترا بستين ألف جنيه لتعزيز الحدود من جهة روسيا وبعشرين ألف بندقية من الطراز الحديث وبكثير من المدافع والذخائر فتعهد لها بأن يكون أبداً وقفاً على كل خدمة تطلبها إليه.
ثم أخذ ينظم الجيش على الطريقة الجديدة فزادت إنكلترا أتاوته إلى نحو مائة ألف جنيه فأنشأ المعامل ودور الصناعة وأخذ يصنع العدد ويحشد العدد وكان ينوي أن يجيش حين الحاجة مليون جندي. والتفت إلى الإدارة فنظمها ومع أنه وضع القوانين الإدارية وعمل بها لم يدخل تعديلاً في قانون الجنايات ولم يبطل الفظائع التي يعامل بها الجناة وغيرهم من مثل وضع الجاني في فوهة المدفع وإطلاقه عليه ووضع اللصوص أو غيرهم في مكان عال منعزل عن الناس حتى يموتوا صبراً كما فعل الأمير عبد الرحمن بأحد الموظفين لما قال أن روسيا ستزحف على أفغانستان فأنفذه الأمير إلى جبل شاهق قائلاً ستمكث هناك ريثما يزحف الروس.
وكاد يخشى من تكدير صفو العلائق بين الأمير عبد الرحمن وحكومة إنكلترا لو لم يعالجه الموت فخلفه ابنه حبيب الله وكان تمرن في زمن والده على تولي الشؤون وحافظ على تقاليد أبيه ومنازعه السياسية مع الهند والاحتفاظ باستقلاله فارتأت أن تدفع إليه حكومة الهند المتأخر من الإتاوة وهي أربعمائة ألف جنيه وأن تهيئ له السبل لاستجلاب السلاح من الخارج ولإنكلترا مطالب تريد الآن نيلها من الأمير مثل إنشاء خطوط حديدية وأسلاك برقية تربط عاصمة الإمارة الأفغانية ببلاد الهند. أما الأمير الحالي فلا يماثل والده في الذكاء ونفوذ البصيرة ومن أخلاقه أنه رأى ذات يوم عقرباً في حذائه فأمر حافظ ثيابه أن يلبسه لأنه ضيق ليتسع فلبسه فلدغته العقرب فعاقبه بذلك على إهماله.
ومن الإصلاحات التي أتاها الأمير الحالي إلغاء بعض الضرائب وتحسين طريقة الجباية وقد أذن للتجار أن يقترضوا من الحكومة مالاً ينتفعون به في متاجرهم بدلاً من أن يقترضوا من المرابين بربا فاحش. وأذن لجميع رؤساء القبائل وكانوا نزحوا من البلاد خوفاً من أبيه أن يرجعوا إلى بلادهم وألف مجلساً من أعاظم الموظفين وجمعية تبحث في القوانين الملكية أعضاؤها ينتخبون من قواد الأسرة المالكة ومن الخانات نواب الأمة ومن