وحده في العلوم الفلسفية والطبيعية فإنه افرغ جهده في نشر الدروس الشرقية وعلى الأخص الدروس العربية ثم استجرت تلك النهضة فعمت أكثر أقطار أوربا وتوفر عدد الدارسين للغات الشرقية وحفلت المكاتب بآثار العرب لا سيما خزائن كتب باريس ومجريط وليدن وأكسفورد ولندن ونشرت تأليف عربية لأعظم علماء العرب وأدبائهم وقد أنشأت فرنسا سنة ١٧٩٥ مدرسة لتعليم اللغات الشرقية الحية ومما زاد الفرنسيس نهوضاً في الآداب الشرقية أن نابليون لما دخل مصر سنة ١٧٩٨ كان بصحبته كثير من العلماء فانتهزوا تلك الفرصة وتعلموا اللغة العربية من المصريين ولما عادوا إلى فرنسا نشروا تلك اللغة في بلادهم وصار هم كثير من العلماء البحث والتنقيب عن كتب العرب.
والخلاصة فإن شعور الأمة بنقل الكتب العلمية إلى لغتها دليل على نهضة وخير عظيم وان تلك الكتب تنشىء رجالاً عظاماً يحدثون انقلاباً كبيراً في الأفكار. واللغة ميزان الأمة ولا نهضة إلا بنهضة اللغة ولا يكتب لها النهوض أن لم تكن لغة العلوم المادية والمعنوية فأين علماؤنا الذين يغارون على تلك اللغة الشريفة. ويؤلفوا جمعية للنقل والترجمة فعلى العلماء أكثر من غيرهم تنوء التبعة والسلام على العاملين المخلصين.