ومما هو طبيعي أن الأراضي التي تظل السنين الطوال خالية لا تعود إليها قوتها الإنباتية في بضع سنوات إلا أنه من المحقق أن قوتها الإنباتية هذه تعود إليها. نحن الغربيون إذا بحثنا في البوادي في الممالك العثمانية تمر على خاطرنا في الحال الأراضي المملوءة بالأكوام من الرمال مع أن هذي الصحاري ليست من الأراضي التي لا تزرع بل إنها أراض خالية منذ سنين طوال وعليه فإن البوادي التي هي من هذا القبيل في البلاد العثمانية يمكن أعمارها والاستفادة منها حتى أن كثيراً من البوادي هي من الأراضي الأكثر إنباتاً وهي بقليل من العمل تكتسب قوة إنباتية تضمن لصاحبها الثروة.
صادف القرن الثامن عشر دور تناقص النفوس في آسيا الغربية وفي ذاك الحين أضحت الأراضي بحالة البادية بسبب عدم زرعها ومما لا شك فيه أن الأراضي الرملية المتروكة التي شاهدناها في سورية منبتة وتعطي محصولاً أكثر من الأراضي الأكثر إنباتاً وفي السبعين سنة الأخيرة بدأت تتزايد النفوس بدرجة محسوسة وهذا الازدياد في النفوس حدث في بعض الممالك العثمانية بصورة لم يشعر بها ظاهراً وبرقي ذلك اتسعت بعض المدن وتأسست قرى جديدة وفي كل نقطة من البلاد العثمانية كثرت فيها النفوس زادت القوة الإنباتية مثال ذلك أن قصبة غزة كان عدد نفوسها سنة ١٨٤.: (٢. . .) فصار ١٦. . . في سنة ١٨٨. واليوم يبلغ عدد نفوسها ٤٥. . . وبفضل كثرة النفوس عمرت وزعت الأراضي التي تحيط بغزة وأصبحت بلاداً زراعية تغل كثيراً من المحصولات التي تصدر إلى الخارج فتحسن فيها القطن في الآونة الأخيرة تحسناً ظاهراً ولا يمكن للمسافر في تلك الجهة أن يقطع مزارع الليمون بأقل من شهر واحد. هذا عدا عن حقول الحنطة والشعير التي تمتد مسافات شاسعة في جنوبي وشرقي غزة وقد فحص أحد المتخصصين الحنطة التي تنبت في غزة وحكم أنها محصولات صحراء. وعدا الحبوب أصناف اللوز والزيتون والأثمار اللذيذة ولعدم اعتناء سكان البلاد بالزرع على الأصول الحديثة فالإيراد قليل بالنسبة لجودة التربة المهملة.
وحيث أن الماء قليل الغور في أكثر تلك الجهات فري الأراضي على الطراز الحديث سهل جداً وكيفية ري الأراضي بسيط أيضاً لا يحتاج لاستعمال الآلات الزراعية الميكانيكية ونظراً لقلة غور المياه كما ذكرنا يكتفى بتخطيط المجاري تخطيطاً بسيطاً ووضع