والتفننات الرائقة وإذا تعذر على المطالع الوقوف على هذه الآثار الأدبية الرائقة فإنمني أسهل له ذلك بانتخاب بعض فقرات كلامه: فمن قوله في خطبة (عالم الحس وعالم الخيال) ومن فوائد (الخيال) أنه نزهة المعتزل ففيه يرى الحدائق الغناء توقع عليها فيان الورق أطيب الألحان وتجري تحتها جداول زلال الذمن بنت إلحان وتحيط بمنابتها بواسم الأزهار كما يحيط بالمعاصم السوار. وترى مدافع الشواهق تقذف بلجين الماء على در الحصباء في الأودية الخضراء فترده اماة المهى وظمأ الظبى فتصبو إلى الورد ولا تطفي اواما فتئن وجدا وتنشد هياماً:
ألا قل لسكان وادي الحمى ... هنيئاً لكم في الجنان الخلود
أفيضوا من الماء علينا فيضاً ... فنحن عطاش وأنتم ورود
ثم إذا مللت مشاهد النهار توجهت إلى مشاهد الليل وبدلت طلعة الشمس بمحيا سهيل فتري هنالك النجوم درراً في باطن الخيمة الزرقاء والمجرة نهراً عظيماً تدفق في حديقة نرجس وفروعها جداول البطحاء وترى هناك تباين المؤتلفات. وائتلاف المتباينات فتشاهد الطائر الواقع والذاهب والراجع والخفي والظاهر والثابت والسائر والأسد بين السرطان والعذراء والسرطان بين الأسد والجوزاء والأبراج والطوالع والأوافل فترى العالمين على العلم الأصغر وتنسى أنك العالم الأكبر ثم تنتبه إلى المعتزل وإليه تبوء فتعلم صحة قولهم:(الوحدة خير من جليس السوء) ثم قال في الخيال قولاً فلسفياً هو: ومن فوائده انه معمل المتصرفة ومخترعها أما المتصرفة فعرفوها بأنها قوة من قوى العقل الباطنة شأنها تركيب الصور والمعاني وتفصيلها والتصرف فيها واختراع أشياء لا حقيقة لها. ومن أهم أعمالها التجريد وهو ما تكتسب به الكليات من الجزئيات ولولاه كانت الصور العقلية هويات متفرقة لا علاقة بينها وقد تكلمت عليه بالتفصيل في المقالة الثالثة من كتاب (الحق اليقين) فليطالعها. ومنها إن التركيب جمع المراد مما علم بالتحليل والتعميم في صورة واحدة وهو (أما حقيقي) وهوان يجمع في الذات الحقيقية ما لها من الصفات المختلفة في الواقع كأن تجمع الحمرة والاستدارة وانتساق الأوراق وطيب الرائحة وسائر ما لا بد منه من الشخصيات في هذه الذات لتصوير هذه الوردة. (وأم تخيلي) وهو جمع مختلفات لتصوير ما لا حقيقة له كأن تجمع حمرة الورد ورائحة القرنفل في زهرة الأقحوان على نبت الزنبق