علم واصل بن عطاء أنه الثغ فاحش اللثغ وإن مخرج ذلك شنع إذا كان داعية مقالة ورئيس نحلة وأنه يريد الاحتجاج على أرباب النحل وزعماء الملل وأنه لابد له من مقارعة الأبطال من الخطب الطوال وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسة وإلى ترتيب ورياضة وإلى تمام الآلة وأحكام الصنعة وإلى سهولة المخرج وجهارة المنطق وتكميل الحروف وإقامة الوزن وإن حاجة المنطق إلى الطلاوة والحلاوة كحاجته إلى الجلالة والفخامة وإن ذلك من أكبر ما تستمال به القلوب وتنثني إليه الأعناق وتزين به المعاني وعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام واللسان والمتمكن والقوة المتصرفة كنحو ما أعطى الله نبيه موسى صلوات الله عليه من التوفيق والتسديد مع لباس التقوى وطابع النبوة ومع المحبة والاتساع في المعرفة ومع هدى النبيين وسمت المرسلين وما يغشيهم الله به من القبول والمهابة ولذلك قال بعض شعراء النبي صلى الله عليه وسلم:
لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بداهته تنبيك بالخبر
ومع ما أعطى الله موسى عليه السلام من الحجة البالغة والعلامات الظاهرة والربهانات الواضحة إلى أن حل تلك العقدة ورفع تلك الحبسة وأسقط تلك المحنة ومن أجل الحاجة إلى حسن البيان وإعطاء الحروف حقوقها من ألفصاحة رام أبو حذيفة إسقاط الراء من كلامه وإخراجها من حروف منطقه فلم يزل يكابد ذلك ويغالبه ويناضله ويساجله ويتأتى لسره والراحة من هجثه حتى انتظم له ما حاول واتسق له ما تأمل حتى صار لغرابته مثلاً ولظرافته معلماً ولولا استضافة هذا الجنس وظهور هذه الحال ولما استجرنا الإقرار به والتأكيد له ولست أعني خطبه المحفوظة ورسائله المخلدة لأن ذلك يحتمل الصنعة وإنما عنيت محاجة الخصوم ومناقلة الأكفاء ومفاوضة الإخوان واللثغة في الراء تكون بالغين والذال والياء والعين أقلها قبحاً وأوجدها في كبار الناس وبلغائهم وإشرافهم وعلمائهم.