للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما وصل إليه أكرم نزله وبالغ في تعظيمه فطلب منه شيئاً من المعادن ليصنع منه ما يريد فحمل إليه من ألفضّة الحجر وزن أربعمائة ألف درهمٍ فصنع منها دوائر كهيئة الأفلاك وركّب بعضها على بعضٍ ثمّ شكّلها له على الوضع المخصوص فأُعجب بها رجارٌ ودخل في ذلك ثلث ألفضّة وأرجح بقليلٍ وفضل له ما يقارب الثلثين فتركه له إجازةً وأضاف لذلك مائة ألف درهمٍ ومركباً موسقاً كان قد جاء إليه من برشلونة بأنواع الأجلاب الرّوميّة التي تجلب للملوك وسأله المقام عنده ومتى كنت بين المسلمين على فلك (كذا) ومتى كنت عندي أمنت على نفسك فأجابه إلى ذلك ورتّب له كفايةً لا يكون إلا للملوك وكان يجيءُ له راكب بغلةٍ فإذا صار عنده يتنحّى له عن مجلسه فيأتي فيجلسان معاً وقال له: أريد تحقيق أخبار البلاد بالمعاينة لا بما ينقل من الكتب فوقع اختياره على أناسٍ ألباء فطناء أذكياء وجهّزهم رجار إلى أقاليم الشرق والغرب جنوباً وشمالاً وسفّر معهم مصوّرين ليصوّروا ما يشاهدونه عياناً وأمرهم بالتّقصّي والاستيعاب لما لابدّ من معرفته وكان إذا حضر أحدٌ منهم بشكلٍ أثبته الشّريف الإدريسي حتى تكامل ما أراد وجعله مصنفا وهو كتاب نزهة المشتاق الذي للشريف الإدريسي وكان رجار المذكور قد أخذ طرابلس الغرب عنوةً بالسيف في يوم الثلاثاء سادس المحرّم سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وقتل أهلها وسبى الحريم والأطفال وأخذ الموال ثم إنه شرع في تحصينها بالرجال والعدد ثم إنّه أخذ المهدية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة لأنّ صاحبها الحسين بن علي بن يحيى بن تميم بن المعزّ الصهناجيّ عجز عن مقاومته فخرج من المهدية هارباً بما خفّ من النفائس وخرج من قدر على الخروج. ولما هلك رجار ملكَ بعده ولده غُليلم بضمّ الغين وبعده الميم المعجّمة بين اللامين الساكنين ياءٌ وبعده اللام وعليه قدم قلاقس الإسكندري سنة ثلاث عشرة وستّين وخمسمائة وامتدحه بقصيدةٍ إلى آخر ما قال.

هذه نموذجاتٌ من الوافي وهو من أجدر ما يجب الاهتمام بطبعه تتميماً لسلسلة تواريخنا