مشت الكتّاب. قال أبو الهلال العسكري: الرسائل والخطب متشاكلتان في أهما كلام لا يلحقه وزن ولا تقفية وقد يتشاكلتان أيضاً من جهة الألفاظ والفواصل فألفاظ الخطب تشبه ألفاظ الكتاب في السهولة والعذوبة وكذلك فواصل الخطب مثل فواصل الرسائل والفرق بينهما أن الخطبة يشافه بها بخلاف الرسالة والرسالة تجعل خطبة والخطبة تجعل رسالة في أيسر كلفة لها.
وعلى هذا رأينا أن ننقل هنا نموذجاً من خطب الرسول وأصحابه وبلغاء الخطباء جاهليةً وإسلاماً ونحن نوصي القارئ أن لا يغفل خصوصاً عن خطب علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه فأن نهج البلاغة أكبر نهج للخطيب والكاتب يستقيان منه مادة عقل وعلم وأدب وبلاغة وسياسة وإدارة ونحن نضمن لما كان له طبع شفاف إذا استظهر نهج البلاغة وتفطن لما فيه من النكات العلمية معتمداً مثلاً على شرح أبي الحديد المطول وتمرن في أساليب الخطابة على مناحي البلغاء والعرب المستعربة والعاربة والعرباء يوشك أن يكون من لغة هذا الشأن في هذا العصر أيضاً فإن كلام أمير المؤمنين رضي الله عنه لا تبلى ديباجته وجدته، وكلما كرر حلاً، ومهما تأملته علا، ففي كلامه عبقة من النور الآلهي، ونفحة من الروح النبوي، ولو لم يكن للسان العرب غير خطب الخليفة الرابع، لكان كافياً في شرفه وبيانه، أن يجر على لغات الشرق والغرب ذيول ألفخر والمباهاة.
خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
أن الحمد لله نحمده ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته واستفتح بالذي هو خير. أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم أني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد علمي هذا في موقفي هذا. أيها الناس أن دمائكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت أللهم أشهد فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها. وأن ربا الجاهلية موضوع وأن أول ربا بدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب. وأن دماء الجاهلية موضوعة وأن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب. وأن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية.