أري بروني وأنافورطة وجناق قلعه وأشرفت على أنحاء سد البحروهي المواقع الأربعة التي دار ويدور عليها القتال واشتد فيها الطعن والنزال فعظم في عيني غناء جيشنا وفاخرت نفسي بقواتنا وضباطنا وجندنا وأيقنت أننا إذا ضمنا شملنا في كل نازلة وكل شأن وتذرعنا بعامة الأسباب التي يتذرع بها البشر المدن نضاهي أعظم الدول منعة ومضاء وها قد قضينا باعتصامنا بحبل الله على مطامع الطامعين من الإنكليز والفرنسين وهم ما هم بقواهم البرية والبحرية.
سبعة أشهر مضت على دفاع جناق قلعه والعدو يمخر العباب بدوارعه وطراداته ورعاداته ومدمراته ويخرج إلى البر الكتائب اثر الكتائب ويستجلب السلاح ويتذرع بأقصى ما وصل إليه طرق الإنسان من التفنن في إرهاق الخصم واقتحام السبل فلم يستطع التقدم شبراً عن المكان الذي نزله أول يوي ولا يزال جيشه تحت حماية أساطيله لا ذرى له ولا أكمات وجيشنا يطل عليه اطلالاً يذيقه كل يوم مرارة الهزائم وألواناً وأشكالاً ويفحش القتل في رجاله حتى قدر الهالك منه بنحو مئة ألف فقدها وفقد معها جانباً من أسطوله وأنفق مئات الملايين من الدنانير وهو في مكانه لم ينل ولن ينال بحول الله ما تطمع به نفسه من استباحة حمانا.
هذا المضيق هو في الحقيقة مفتاح دار الخلافة وكان المتفقون على مثل اليقين بأن عملهم سهل يحتاج إلى بضعة أسابيع ولكن خيب المولى ظنونهم ونعى عليهم اعتدالهم بقوتهم وألقى عليهم أمثولة مما ينال الظلمة من سوء المغبة وأن التمويه للعبث بعقول الناس لحكمهم كما تحكم البهائم إن جاز يوماً فلا يجوز على الأمم في آخر وأن الله لا يضيع عمل عامل.
إن دفاعنا عن حمانا في جناق قلعه قطع آخر عرق من الآمال للمتفقين وقضى على مطامعهم فينا أند الدهر إن شاء الله ومن رأى ما رأيناه هنا من أبداعنا في طرق القتال وشاهد استعدادنا في حصولنا وطرقنا وسلاحنا ومدافعنا ونظام جيشنا وما ينبغي له من المؤنة والذخيرة والتمريض يجهر بصوته قائلاً هذا عمل لا يتهيأ إلا لأمة تحب أن تبقى ولا يتيسر إلا لمن كتبت له السعادة.
غابات شبه جزيرة كليبولي ونجادها ورهادها وسواحلها وسهولها لقد طلت في ربوعك دماء