روبرت ماير في استمرار القوة ورأي لامرك ودروين في أمر التحول والنشوء والإنتخاب الطبيعي وقول كوبرنيك من قبل في مركز الأرض وقول ليل في طبقاتها فأضاءت هذه الأقوال من أمور الوجود ما كان مظلماً وأيقظت من كان نائماً وداوت من العقول ما كان مريضاً وجاء رونتجن وجاءت أشعته وجاء المجهر والمرقب فلمحنا الجن وناغينا الكوكب وجاء إيدسون وجاءت عجائبه وجاء الأستاذ أرنست هيكل الذي أدرك ما لم يدرك وعلم ما لم يعلم والذي نشر مذهب النشوء في ألمانيا وصارع خصومه فصرعهم والذي قال بالوحدة وكان رسول هذه النحلة إلى الناس وجاءت مباحث هذا البحر القذاف بجواهر الحكم التي ربط بها الحلقات وحل المعضلات وهتك الأستار عن الأسرار وكاد يطلعنا على الغيب فلو كشف الغطاء ما ازددنا يقيناً وجاءت علوم ومذاهب وآراء لا يحصيها الإحصاء ولا يستقصيها الإستقصاء ومشت جماعة ألفكر مع شيعة الاختبار والتحقيق وآخى النظر البحث فآنس الإنسان من الآيات العلمية ما لم يؤنسه قدماً ورأى بعين يقظان ما لم يحلم به إنسان وجاء العيان بما بخل به السماع فطلع الإقليم الإفرنجي بذلك مجلياً في ميدان الحياة وسابقاً في حلبة العلم ومعبراً في وجه كل إقليم وتبذخ قطنيه بما أبدعه وحق له أن يبتذخ وصغرت في عينه الدنيا وأحر بها أن تصغر وطمع في سكنى النجوم ولا نستبدع ظفره بمتمناه وقد أرانا منه ما رأيناه.
لا أروم الآن أن أبين في ما تلوت مزايا الغرب الدثرة الكثيرة وخصائصه الجمة الأثيرة فإن ذلك يحتاج إلى حين ممتد وصحائف من الكاغد لا تعد وما ذكرت ما ذكرت إلا لأنبئ بأن العلم قد عدن في الإقليم الإفرنجي وريّم ولم ينزعج عنه ولم يرم فمن نعاه فليول وجهه شطر المغرب وليتناوله من معدنه أو مما ينجم من معدنه ولا يتفائل ويستنكف من أخه عن الإفرنج فإن ذلك لا يقبحه ولا يعيبه عند أحد من الناس كما لم يضع من الإفرنج أنهم تلمذوا للعرب واليونان ورضوا بحكمائهم ولكن الذي يقلل من مكانة الشرقي ويضحك منه خصمه وخليله أن يجد المنهل العذب وهو ملتهب الكبد فلا يرد ويتنور مقتبس الأنوار وقد دجا ليله وأحلولك فلا يقتبس. . .