برلين وهمبورغ في القطار ولا ينزل منه إلا في الأستانة ليعبر الخليج إلى آسيا ويركب في القطار الحديدي فلا ينزل إلا في صنعاء اليمن أو بغداد العراق وإنا بفتحنا طريق الصرب في العام الماضي وكانت صلاتنا مقطعة بين دار الخلافة وبرلين قد أدخلنا الحرب العامة في طور جديد فسقط في أيدي أعدائنا بفضل الطريق التي افتتحناها بيننا وبين أوربا الوسطى ودخلت تجارتنا في طور آخر وخفت وطأة الحرب إلى أقل من النصف.
فلو كان لنا اتصال مباشرة مع حلفائنا منذ أول نشوب الحرب من عدة طرق كيف كانت نتيجتها على الأتفاقيين الذين قبضوا على مضايق البحر وأخذت سفنهم وبوارجهم تسبح في عرض الماء في البحر الشمالي والبحر المحيط والبحر المتوسط والمحيط الهندي لولا ما أرصد لهم من الغواصات الألمانية التي ضيقت خناقهم ولولا هذه الممرات لما فتحنا من بلاد العدو تلك الأقطار والأقاليم ولا غنمنا هذه الغنائم الكثيرة.
إن الطرق الحديدية شرايين الممالك تحمل إليها الحياة وإذا انفتح الشريان في الإنسان مات ولولا الخطوط الحديدية الحربية في ألمانيا ما تيسر لها أن تسوق جيوشها إلى الشرق والغرب والجنوب في هذه السرعة المدهشة ونحن أيضاً لولا الخط البغدادي والسكة الحجازية ما استطعنا أن نحارب هذه الحرب ولو كانت خطوطنا ممتدة إلى القاصية أكثر مما هي الآن لضربنا عدوتنا انكلترا في البصرة وجدة ضربة يرن صداها كما ضربناها في كوت الإمارة وجناق قلعة.
يبلغ طول الخطوط الحديدية في السلطنة العثمانية نحو ثمانية آلاف كيلو متر وبها عمرت هذا العمران فماذا كان حالها لو كان فيها عشرون أو ثلاثون ألفاً وهي مستعدة لأن يكون فيها ثلاثمائة كيلو متر وماذا كان حالها لو اتصلت كل خطوطها الحربية بالمواني البحرية كما اتصلت من يافا وحيفا وبيروت وطرابلس واسكندرونة وأزمير مثلاً ولو اتصلت طرقنا البحرية بالبحر الأسود من عدة جهات وكذلك بالخليج الفارسي والبحر الأحمر والبحر الأبيض كيف كانت حالتنا التجارية مع الهند والقافقاس وأوربا الوسطى وافريقية وغيرها.
إن الأمم لا تستغني بعد الآن عن الاتصال بينها وقد بطلت العادة التي كانت متبعة في القديم من تقسيم المملكة الواحدة إلى مئات من الأجزاء كل جزء يعتصم وراء جبله أو يختبئ في واديه ولا يعرف ما عند صاحبه وجاره. الأمم اليوم محتاجة إلى التعارف