والثلوج واليهودي في حانوته ومخزنه في رفاهه وترفه يبتر منه ثمرة عمله وسعيه ببضائع إفرنجية يبيعه غياها بأضعاف أثمانها وهو يجهل قيمتها الحقيقية وفي استطاعة الموسرين المسلمين في بغداد والبصرة وأن يوقفوا هذا السيل الاقتصادي الإسرائيلي بتأليف شركات تجارية تقاوم شركات الإسرائيليين أو تشاطرهم مكاسبهم على الأقل، ة ولكنهم انغمسوا في الملذات والشهوات بدل أن يفكروا في ما يضمن لهم السيادة في المستقبل. وأعرف كثيراً من المتمولين في البصرة وبغداد لا يقل ريع أحدهم عن عشرين أو ثلاثين ألف ليرة سنوياً ينفقونها عل السفاهات والخلاعات في الهند أو بين جدران قصورهم على موائد الميسر أو في جرعة من الراح وقبلة من خدود الملاحة فيصبح الملاَّك الموسر في البصرة رازحاً تحت أثقال الديون حتى يضطر إلى بيع أملاكه وأطيانه صفقة خاسرة ولو كان لليهود صلة مع العرب والفلاحين أو لو تكن عصبية الشيعة لكانت أكثر أملاك المسلمين تنتقل بطبيعة الحال إلى تصرف اليهود، فهذه العصبية هي التي أقامت لنا هذا الشبح الذي حفظنا به شرفنا الحالي ولو بالاسم فقط.
إن ضعف اليهود الاقتصادي في دمشق وبيروت هو كضعفهم في الموصل وكركوك وهذا ما يدل على أن المسلمين في هذه الحواضر شعروا بضرورة الاعتماد على النفس ونبذ المعيشة الاتكالية وقد رأيت شبهاً عظيماً بين الدمشقي والموصلي في الطباع والأخلاق والعادات والمعايش فهما لا يميلان إلى البهرجة والفخفخة ونفقاتهم غالباً أقل من مكاسبهم فكأن الشبه بين سهول البلادين وجبالهما وبساتينهما وأمطارهما وبردهما وثلوجهما هو الذي أولد هذه المضارعة المحكمة بين الأمزجة والطباع. ولذلك فاليهودي في دمشق لا يستطيع مزاحمة هذه المجموعة العاملة فيقتحم صفوفها ويده أقصر من أن تمتد إلى المصارعة والمكافحة فهو كأخيه في الموصل لا صوت ولا شأن له يذكر في عالم التجارة والاقتصاد.
للشام طرق واسعة للمكاسب كالاصطياف في لبنان حيث يرحل إليه عشرات الألوف من مصر وما يجاورها لقضاء فصل الصيف في جباله الشاهقة والتمتع بمشاهد الطبيعة وجمال الكون على البر والبحر وبين الأشجار وعلى ضفاف الأنهار، وتحت سماء صافية كصفاء دموع العاشقين ويقال أن ما يربحه الجبل لا يقل عن مائتي ألف ليرة في كل عام هذا مع توفر أسباب الراحة وفي سورية مكاسب وفيرة غير ما تقدم وهي ما تنفقه زوار المسيحيين