هاتيك الأخلاق بالنظر للمحيط الذي نما فيه ويعاني مصاعب جمة في آخر الأمر لتغيير أخلاقه وتهذيبها.
وبعد فقد أدراك القارئ من التفاضل الذي أجريناه بين تربية هذين الطفلين أن تربية الأكبر أفضل ونرى أن مصلحة الأسرة التي مسها العوز أن لا يلد لها مولود قبل أن تنتهي من تربية طفلها الأول وبغير ذلك لا يصلح شأنها ولا يرغد عيشها.
حياة الأطفال
من القضايا المتفق على صحتها انتشار الفقر والبؤس في كل قطر وصقع وكونه عاماً شاملاً فلا يكاد يخلو منزل من فقر وفقراء وبؤس وبائسين ومع ذلك فقد أجمع أهل العلم على أنه ليس بعزيز على الأسر التي أتاخ العوز ببابه ونزل الشقاء برحابها أن تربي أفلاذ كبدها تربية جيدة وتنبتهم نباتاً حسناً متى كان أحد ركنيها عارفاً ذكياً ذا خبرة في أصولها وطرائقها.
والذي يجب أن لا نمر به الآن مرور الكرام باللغو هو اختلاف تربية أبناء الفقراء باختلاف المكان والمحيط فانك لترى الفرق ظاهراً بين تربية أبناء الأستانة وتربية أبناء دمشق كما أنك تشاهد بوناً بين تربية أبناء الفيحاء وأبناء معان واختلافاً في طرق حيلتهم ومعايشهم مما حققه علماء هذا الفن وتحتاج الإفاضة فيه إلى زيادة بحث وطول تنقيب يستفيد الأطفال الذين ينشأون في المدن الآهلة الكبرى من كل شيء - من معاشرتهم أبناء الأغنياء من اجتماعهم بأبناء الكبراء من المدارس. يستفيدون من المحيط بعكس أولئك الذين ينشأون في الأقطار القاصية والأصقاع النائية فإنهم يبدأون منذ نعومة أظفارهم عنهم بأكل خبز الشعير ويطوفون حفاة عراة في منظر غريب عجيب الفتة الأنظار في بلادهم.
أمل قد ثبت لدينا من الرسائل الأولى - أن الصغير مفتون بتقليد الكبير راغب في تحديه بأعماله وأطواره - فلذلك كان لأولى لأمثال هؤلاء الأطفال أن يدرجوا في محيط تسامت أخلاقه وطاب ورده وأزهر روضه ومن طاف البلدان الأوربية رأى هذه الحقيقة مجسمة وهبات أن يرى غلاماً مكشوف الرأس عاري الجسم يلعب بالأوحال المتراكمة والماء الآسنة متجولاً في الأزقة والشوارع كما هي الحال في بلادنا وفي كل بلاد لم تنال حظاً من الرقي ونصيباً من النهوض.