للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سوق العلم والأدب كاسدة لا لإقبال عليها فأصدر أولاً مجلة البيان سنة بمعاونة الدكتور زلزل ثم أصدر وحده مجلة الضياء فدامت مطردة الصدور إلى صيف هذه السنة وقد شحنها من عرائس أفكاره وتحقيقاته اللغوية وأماليه الأدبية ما لو كتب بغير هذا اللسان لأعجب به أهله وكبروا مثل مقالات اللغة والعصر ولغة الجرائد وأغلاط العرب وأغلاط المولدين وطبع في العهد الأخير كتاب نجعة الرائد في اللغة ولم يوفق إلى طبع معجمه لأسباب أهمها قلة النصير والظهير.

كان الفقيد شديد الغيرة على لسان العرب بحيث لا يدانيه في ذلك غير خاصة الخاصة. مبالغاً في التدقيق والتمحيص حتى أنه كان يألم ممن يرتكب غلطاً لغوياً إنشائياً ألمه ممن يسيء مباشرة إليه أو يصادره في أعز الأشياء عليه ولذلك قلما كان يغفل كتاباً أو ديواناً من النقد اللغوي والأدبي وكثيراً ما تأخذه الحمية العربية فينحني على المنتقد عليه وربما وصلت المسألة من العموميات إلى الخصوصيات كما جرى في نقده معجم أقرب الموارد وكتاب الدرة اليتيمة وغيرهما. ولابد لمن يتمحض للانتقاد أن يلاقي ما لقي الشيخ اليازجي فيصاب ويصيب خصوصاً والناس في زماننا لم يألفوا الانتقاد وأكثر المنتقدين يعدونه ثلماً لشرفهم وحطة لأقدارهم والناقد كيفما كانت الحال لا تصفو له القلوب إلا علي الندرة ولاسيما إذا عامل منتقديه بأنه هو المسيطر على كل ما يبدر من خطاءٍ وخطل والكفيل بحل كل إشكال ومعضل فكان انصراف قلوب بعض العالمين والمتأدبين عنه لعدم اضطلاعه بسياسة التعليم وهو داء العلماء من القديم حتى عقد ابن خلدون فصلاً في أن العلماء أبعد الناس في السياسة.

وعلى الجملة فقد كان فقيد اللغة والأدب اليوم آية في سعة اطلاعه على شوارد اللغة واوابدها محيطاً بأقوال أئمة البيان العربي عارفاً بصحيح الكلام من فاسده بصيراً ببعض العلوم كالفلك والرياضيات وله إلمام تام بالفرنسية والإنكليزية (والعبرانية والسريانية) ويد طولى في الخط والرسم والنقش والحفر بحيث لو أتيح له أن يعمل بما يهوي وينصرف إلى ما يغلب على طبعه لاختار أن يكون رساماً من أهل الفنون الجميلة. ولولا أنه آثر خدمة العربية كما قال لي عن نفسه مخافة أن يغلق بيته على حين في وسعه فتحه ويتوانى عن خدمة لغة عرف أبوه وأخوته من قبله بالتوفر على خدمتها والغرام بآدابها لجاء منه