استقباله بوجه يفتر سروراً ويطفح بشراً وأخذت تلاطفه بالكلام وتقول كيف يخطر لك أن أسطر في الورق ما يخالج قلبي لك من الحب وليت شعري ماذا يكون حالنا لو وقع الكتاب في يد من يأتي به أبي ومن يشفع فينا عندئذ؟ فسكن روع سعيد وما جاش به من الجأش وعلم علم اليقين أنها لم تجسر على مفاتحته فقال لها:
الآن حصحص الحق وعلمت مكانتي منك فهل تتنازلين لقبولي رفيقاً لك في حياتك غير ناظرة إلى فقري وقلة جاهي وتكتفين بمكارم أخلاقي وآدابي وتعتمدين صدقي وفرط ودي وتثقين بأن حياتي ستكون وقفاً على ما فيه رضاك.
فقالت أنت تعلم أن أمر زواجي ليس بيدي ولو خيرت لما اخترت سواك. على أني أستطيع رد كل من يطلبني غيرك وأنا عالمة بشدة بأس أبي فكن في أمان من أني سأبذل الوسع لأظل عانساً ريثما تنجز سني دراستك ولعلك تنال مقاماً يبلغك أمانيك فأعطيك هذا الوعد وسأثبت عليه مهما كلفني من العذاب والهوان.
- أنا أعلم منزلتي وأن لا سبيل إلى طلبك ولكن ما يخالج قلبي من الأماني يدفعني إلى القول باني بعد ما أتم دروسي التجهيزية سأذهب إلى الأستانة وأدخل في إحدى المدارس الكبرى فأنال عند خروجي منها بعد نيل الشهادة منصباً يهيئ لي مستقبلاً جميلاً أكون جديراً بك ويسوغ لي طلبك من أبيك.
- نعم ما قلت وفكرت فليس لك عندي سوى النصيحة أن لا تتأخر عن الجد في التعليم لئلا تقعد ملوماً محروماً واسع جهدك ولا ريب عندي أنك ستحرز مقاماً يليق بنفاذ بصرك وبصيرتك ومكارم أخلاقك وسمو آدابك وإياك أن تقلبك الأيام فتنسى ما قر عليه قرارنا الآن وأوصيك بالثبات على الوعد ولو بُليت بأنواع العذاب.
وهنا أقسم لها بكل محرجة من الإيمان وتحالفا على أن لا يخلا بالوعد وتفارقا على اللقاء ولو بعد حين.