المطلعون على أخبار العرب في عهد الجاهلية. لأن من غسان من كان على دين دهما العرب وهي الوثنية ومنهم من دان باليهودية وطائفة كانت على النصرانية فكيف يقول بعد ذلك: إن غسان كانت نصارى.
أما أن فريقاً منهم كان يدين بالوثنية فهو أشهر من أن يذكر فهذا الحارث الأكبر ابن أبي شمر الغساني الملقب بالأعرج وهو الذي اشتهر ملكه في أيام القياصرة فإنه كان وثنياً قحاً ويتضح ذلك منه أنه: أهدى سيفيه المعروف أحدهما باسم رسوب والآخر باسم مخذم لبيت الصنم (عن الطبري ١: ١٧٠٦) وبيت الصنم المذكور هو بيت مناة لأن غسان كانت تعبد هذا الصنم (عن معجم ياقوت في مادة مناة).
وزد على ذلك أن تلبية غسان عند وقوفها عند صنمها كانت هذه: لبيك رب غسان. راجلها والفرسان (تعن تاريخ اليعقوبي ١: ٢٩٧). وهذا سطيح الكاهن المشهور فإنه كان غسانياً إلا أنه لم يكن نصرانياً وإن كان خال نصراني من أهل الحيرة.
فهل بعد كلام هؤلاء الأئمة الأفاضل مندوحة للإيهام والإبهام؟ - نعم أن حضرته إذا أراد أن يزكي نصرانية شاعر برأ ساحته من كل ما يمكن أن يقع على ثياب دينه أدنى غبار إلا أن ذلك كله إذا فات على عقول بعض القراء فلا يفوت على عقول الأدباء لأنه لا يشفي فيهم علة كما لا يروي منهم غلة.
أما أن اليهودية كانت في غسان فهذا بين من دين السموأل فإنه ليس من كاتب أو أديب أو مؤرخ أو لغوي ذكر دين السموأل إلا وقال عنه أنه يهودي المذهب فهذا الطبري وابن الأثير وابن خلدون والمسعودي وأبو الفداء واليعقوبي وابن رسته ونحوهم هم لسان واحد لإثبات هذه الحقيقة الراهنة التي هي على زُبية من سيل الوهم والخطأ. لا بل أن حضرة الأب نفسه يقول بذلك في مجاني الأدب ٣: ٣١٣ في الحاشية فكيف انثنى اليوم عن رأيه؟ - وهذا وأن اليعقوبي يقول بصريح العبارة ٢٩٨ وتهود قوم من غسان وهو يقول أيضاً في ص ٢٩٩ أن النصرانية كانت أيضاً في غسان. ومن ثم فقول من يقول إن اليهودية كانت في غسان كما أن النصرانية والوثنية كانتا فيها فهو بعيد عن سهام الملام.
هذا من جهة السموأل وإلا فإن حضرته قد نصر أيضاً غير هذا من الشعراء ما قد اذخر له أجراً مذكوراً لا يفنى ولا يزول إذ لا تمد اللصوص إليه يدها كما أن السوس لا يتعرض