مع الخوف من القتل مع سلامة النية إلى الله تعالى:{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}. ثم أن هذه التقية رخصة فلو صبر على إظهار إيمانه حتى قتل كان له بذلك أجر عظيم. وأنكر قوم التقية وقالوا إنما كانت التقية في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين فأما اليوم فقد أعز أمة الإسلام والمسلمين فليس لأهل الإسلام أن يتقوا من عدوهم. قال يحيى البكاء: قلت لسعيد بن جبير في أيام الحجاج: ابن الحسن يقول التقية باللسان والقلب مطمئن بالإيمان. فقال سعيد: ليس في الأمان تقية إنما التقية في الحرب. وقيل إنما تجوز التقية لصون النفس من الضرر لأن دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان. اهـ
واختلفت مذاهب المسلمين في التقية فروى المؤرخون أنه كان سبب اختلاف نافع بن الأزرق ونجدة بن عامر من زعماء الخوارج أن نافعاً قال التقية لا تحل والقعود عن القتال كفر واحتج بقوله تعالى {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً}. وبقوله:{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}. وخالفه نجدة فقال: التقية جائزة واحتج بقوله عز وجل: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}. وبقوله عز وجل:{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} فالأزارقة من الخوارج وهم أصحاب ابن الأزرق المشار إليه يقولون إن التقية غير جائزة في قول ولا عمل. وحكى الكعبي عن النجدات وهم أصحاب نجدة بن عمار أن التقية جائزة في القول والعلم كله. وقال الصُّفرية الزيادية وهم فرقة من الخوارج أيضاً: التقية جائزة في القول والعمل. والرِّدَيُّ عند الخوارج هو الذي يعلم الحق من قولهم ويكتمه.
أما الشيعة فلهم في التقية تجوّز لم تعرفه فرقة من المسلمين فيما أحسب فكل ما أرادوه تكلموا به فإذا قيل لهم ذلك ليس بحق وظهر لهم البطلان قالوا إنما قلناه تقية وفعلناه تقيةً. هذا ما نقله الشهرستاني في الملل والنحل وليس في الأيدي كتاب من كتبهم نرجع إليه فيما قالوه هم في حقها. ولقد رأيت بعضهم يستعملون التقية في خلواتهم وجلواتهم فلا تجديهم إلا صغر النفوس وضياع الشمم والشرف على حين لا يضطرهم إلى ذلك داعٍ ولا يريدهم عليه حاكم ولا محكوم عليه. ولكن هي العادات يرضعها الأبناء مع لبن الأمهات فيتعذر الإقلاع عنها إلا بعد الاستغراق في نور العلم النافع والتربية الصحيحة.
والعقل يقضي بأن يستعمل في دار التقية ما لا يستعمل في دار العلانية على حسب