للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويحول دون انتشارها وما يوعز به بعض أنصار التقليد في العلم إلى اليوم من الرغبة عن مطالعتها لأنها مفسدة منقصة فإن أمثال هؤلاء المثبطين عن كل جديد نافع هم الحلمة الطفيلية في العمران، وكل من حال دون أسباب العلم والعرفان، هو العضو المؤوف في جسم الإنسان.

زار صديق لي من كتاب الصحف منذ سنين رجلاً ذا شهرة طائلة موسوماً بشعار العلم في إحدى المدن الكبرى وله من التلامذة والمريدين صنوف فعرفه إليه بعضهم وقال له: هذا فلان منشئ الجريدة الفلانية. فقال وما هي الجريدة. فأنشأوا يشرحونها له حتى فهمها ولكن بعد أن بحّ صوت الشارح في شرحه لمحدثه عن معنى الجريدة وهو يستغرب وجود شيء في العالم يعرف بهذا الاسم. فانقلب صاحبنا من لدن ذاك الرجل مغرباً في الضحك متعجباً من أناس في مثل هذا العصر جاهلين بأحوال العالم إلى هذا الحد بعيدين عن حوادث الأيام. وعندي أن أمثال هذا الرجل لا يفيد الصحف تنشيطه وتثبيطه. والمعارف اليوم كسيل جارف تودي بمن لا يجاري الدهر ويمشي مع الأيام والجامدون كثار في كل جيل وقبيل وليسوا هم المطالبين برواج بضاعة القلم أو المقصودين بالنفع من المكتوب. ولئن يهدي الله بهذا صعلوكاً صغيراً خير من إضاعة الوقت في ممارسة شيوخ الجمود وكهوله وشبانه.

وكلما تأملت الصحف وآراء طبقات الناس فيها استنتج أن من توفروا على نشرها أول النهضة كان معظمهم من العامة الذين لا يحبون من الجرائد غير ما تأتي به من الربح المادي وبعبارة أخرى كانوا تجاراً لا أصحاب دعوة إلى إصلاح أو إرادة في بث علم وفضيلة، وسماسرة أقوال، لا صيارفة عقول، وجهابذة جربذة لا جهابذة أفعال. دع عنك سيد الصحفيين في الدور الأول أحمد فارس الشدياق صاحب الجوائب في الأستانة فإنه أحسن الاضطلاع بوظيفة الصحافي وتمت على يده حسنات كثيرة من خدمة اللغة والأدب والعلم والسياسة لأن غرضه لم يكن مادياً محضاً. وأن ما نراه اليوم من ارتقاء بعض الصحف السياسية فالفضل له فيه لأنه واضع أساسها الحقيقي وما نراه من انحطاط بعضها فمنشأوه أولئك العامة الذين أنشأوا الجرائد في الدور الأول وغرضهم الدنيا من أي الطرق أتت وما نشهده من ارتقاء بعض المجلات فمصدره رفاعة الطهطاوي في مجلته روضة المدارس