إن كل منصف للعربية ليراها قد اتسعت لكل ما ألقي عليها من علوم الحضارة ومطالبها ولم تتخرج من إدخال الكلمات الدخيلة التي لا عهد لها بها فما وجد التراجمة والنقلة في العهد الأول مرادفاً له في أصل اللغة وضعوه وما لم يروا له لفظاً أو مادةً يشتقون منها نقلوه على أصله أو نحتوه بعض النحت بحيث لا يصعب على العربي أن ينطق به لمخالفته الصيغ المألوفة. هكذا جروا في معظم الألفاظ الفقهية والكلامية والفلسفية والنجومية والطبيعية والطبية والرياضية والزراعية والكيماوية. ولم يكن التراجمة كلهم من الماهرين بالعربية بل كان المترجمون كثيراً ما ينقلون المعاني وعلماء اللغة والمحيطون بشواردها وضوابطها يضعون الألفاظ والمصطلحات وكثيراً ما كانوا يترجمون اللفظة الواحدة إذا عجزوا بجملة تفسرها. وهذا مألوف في معظم اللغات وقلما يكون لكل لفظة في لغة مرادف لها في اللغة الثانية ولاسيما إذا كان النقل من لغة غربية إلى لغة شرقية كما كان صدر الدولة العباسية. والعلوم نقلت عن الرومية والنبطية والفارسية والنقل عن الرومية أكثر. والرومية غربية بعيدة عن العربية الشرقية في أسلوبها.
ألا وأن كتب الأسلاف لتشهد أبد الدهر بأن العربية تقل كل دخيل وعلم. وفي المؤلفات العلمية التي ظهرت في مصر على عهد محمد علي وسعيد أكبر دليل على ذلك.
فقد كان المترجمون ينقلون الكتب إلى العربية فيجيء المصححون في دار الترجمة يقوّمون العبارة وينظرون في بعض ما له مقابل من اللغة. كان ذلك قبل ثمانين سنة واللغة العربية منحطة لارتفاع سند العلوم الكونية من بين أهلها قروناً فما بالك اليوم وقد ارتقت لهجة اللغة واستحكمت ملكتها في القائمين على الكتابة والتدريس وصار كثير من العامة ممن شغفوا بالمطالعة يميزون بالفطرة بين صحيح الكلام وفاسده وأصبح أكثر تلك العلوم لأبنائنا مألوفاً بل غدا معظم المترجمين ينقلون في أصعب الموضوعات بأسلوب تكاد لا تقرأ فيه صورة الترجمة لسلاسته.
نعم إن الواحد منا قد يصعب عليه اليوم نقل علوم لا عهد لنا بها كعلم الحياة (بيولوجيا) مثلاُ فلا يكون ضعفه في ذلك دليلاً على ضعف اللغة التي لم تحشر إلى ذهنه ساعة الترجمة ألفاظها وتراكيبها بالسرعة التي يريدها بل الذنب كل الذنب على جهله العلم لأن فهمه يتوقف على الإحاطة بعلوم كثيرة ليست من المألوفات عنده. وأنى يتأتى لمن لا يفهم