تنأول الأغذية يحمل المعدة فوق طاقتها فيشق عليها ويرهقها من أمرها عسراً. فإذا لم يتأت الهضم تخمر وتسمم ذاتي فتكثر الأملاح والحامض البولي الحامضة ويصاب المرء على الزمن باحتقأن الكبد وتغير الكلى والتحول إلى شحم فيكون بذلك مصاباً يوجع الأعصاب والمفأصل والسويداء وغيرها.
كيف يتمكن المرء من الأقلال من الطعام ومن تنأوله بتأن
تبين لك مما تقدم أن من مصلحة الإنسان أن يعدل عن طريقة عيشه ولا يقتضي ذلك كبير عناء ويكفي في هذا الباب إقناع المرء بذلك ليتحول إليه. على أنه من المحقق صعوبة التغلب على عادة سيئة حتى أن المصاب بسوء الهضم ليعترف بأنه يسرع في طعامه ويود إصلاح نفسه ولكن أرادته وحدها لا تكفي في مغالبة هواه فتراه يحتاط في أول جلوسه إلى المائدة ولكنه لا يلبث أن يعود إلى طبيعته فتتغلب عليه فيأخذ في القطع والبلع. ونظن أن مداواة هذا النقص تكون بإعطاء أطعمة منوعة كثيراً تتقدمها توابل مطبوخة كحساء الجلبان أو العدس والخذيعة (طعام من لحم أو سمك مخردل) وربما نصحوا باستعمال العلك فيهجم اللعاب والعصارة المعدية على الغذاء إلا أنه يلزم للعاب من الوقت ما يتمكن معه من البسيلان. ولذلك اقتضت الضرورة أن تكون البداءة بالأكل لقماً صغيرة وأن يمضغ بتأن حتى اللحم والحساء بل السوائل من اللبن والمرق والشراب.
ويرجو بعضهم أن يعالجوا قلة سيلأن اللعاب بأن يمضغ بعد الأكل قطعة من الصمغ مضغاً طويلاً. فقد اعتاد الأمريكيون هذه الطريقة وما هي إلا ملطفة وملينة مؤقتاً فإن اللعاب يسيل متأخراً كثيراً فإذا وصل إلى المعدة يمتزج مع السوائل وعصارة المعدة فيفقد جزءاً من قوته.
وهناك حيل يحتال بها لإصلاح حال الأكولين وزحزحتهم عن الشره فإذا كان الأكول يملأ معدته ليشبع فوق طاقته ونصح له أولا أن يقطع اللحم والخبز قطعاً صغيرة كما تقطع للأطفال وأن لا يتناول منها سوى لقمة دفعة واحدة وأن يتناول الحساء والبقول الناشفة بملعقة صغيرة وأن لا يأخذ إلى فمه شيئاً منها إلا إذا بلغ المعلقة الأولى برمتها. وتتيسر معالجة سوء الهضم بتحريض صاحبه على الأقلال من أنواع الأطعمة كثيراً كان يراد على أن يتناول فطيراً فيأكل منه على وتيرة واحدة وهو طعام قليل اللذة ولكنه من أكثر الأطعمة