ولمعترض أن يقول أن الإباحة الكلامية تترك محلا للتمتع المشبوه والتلذذ المستكره لذلك يكون تعدد الزوجات من الأعمال الشاقة ونحن نسلم بقوة هذا الاعتراض وهو حري بألفات نظر من يريد تخليص التعاليم الإسلامية من المذمة الملتصقة بها ويريد التقدم مع الزمن. ومما يجب ذكره أن مرونة الشرائع هي أعظم محك نعرف به قيمة تلك الشرائع ومنافعها وهي سر القرآن لأنه تقبله أرقى الشعوب وهو يسد عوز أحطها ولا يتعامى عن الاقتصار على زوجة واحدة ضرراً شديداً. أما القيام بأبطال تعدد الزوجات فليس الصعوبة بالمكان الذي يتوهمه بعضهم. والمصيبة التي أصابت المسلمين وهي أصل ما هم عليه اليوم منعهم الاجتهاد وتمسكهم بالتقليد.
وليس بالبعيد يوم يرجع فيه الفقهاء إلى كلام النبي في حل مسألتهم وهي هل يقلدون النبي أم يقلدون الذين استعملوا اسمه الكريم في أغراضهم أو أغراض الأمراء الذين عاشوا في أكنافهم. وقد مرت أوروبا في مثل هذا الطريق وكلن الأولى بها أن تراقب نهضة الإسلام وإصلاحه بالصبر والحنو لا أن تسلقه بالسنة حداد. ومتى تم التخلص من شرك الأفكار القديمة يصير من السهل على مشتر عي البلاد الإسلامية نسخ تعدد الزوجات إلا أن سداداً كهذا لا يتأتى إلا بعد ترق عام في إدراك الحقائق وأحاطة بروح الإسلام.
وإن موافقة التعاليم الإسلامية لكل درجة من درجات الترقي تدل على حكمة المعلم. وليس تعدد الزوجات بين أقوام متدنية وله من الشروط ما وضعه النبي مما يؤسف له وهو على الأقل خير من عادة تعدد الأزواج وخير وازع أدبي. وكلما انتشر العلم وكثر التهذيب قدرت أضرار تعدد الزوجات قدرها وصار الناس أكثر علماً بوسائط منعها. ولا نقول الآن أن مسلمي الهند استفادوا كثيراً من اختلاطهم بالبرأهمة الذين يحل لهم في مذهبهم الفجور جهاراً بل نقول أن هؤلاء المسلمين فسدت أخلاقهم وانحطت تصوراتهم التي من شأنها رفعة الإنسان وتشريفه ونقاء قلبه وانتشرت طبقة الهتري بينهم كما هي بين جيرانهم الوثنيين ومع ذلك فثمة دلائل محسوسة يضيء قلوبهم ويخرجهم من ظلماتهم. وقد أدى المعتزلي اجتهاده إلى الاقتصار على زوجة واحدة لأن الشريعة تمنعه من ارتباط ثأن في خلال وجود ارتباط سابق. والخلاصة أن الزواج في عرف المعتزلة هوأن يكون ارتباطاً