في إدراكهم بل لأنهم لم يدخلوا المسألة من بابها ولقلة إطلاعهم فيها وقلة ما لديهم من الآلات والوسائط التي ساعدت المتأخرين على حلها. فيجدر بنا قبل أن نبحث عن هذه أن نذكر بعض آراء الأقدمين في تولد بعض الحيوانات والنباتات من دون والد.
قيل أن أرسطو كتب في بعض ما دون كل جسم يابس ابتل وكل مبتل منه جف يولد الحيوانات الدقيقة. وينسبون إليه أيضاً الزعم بأن الديدان التي تظهر على بعض البقول في مزارعها لا تتكون إلا من تعفن الأقذار والأوساخ وتخمرها أعني السرجين الذي تصلح به الحقول والسماد الذي يخصب التربة. وكذلك تتكون البراغيث في التراب. وقرر الشاعر فرجيل بأنه قد يتولد النحل من أمعاء ثور جافة. وقال فلوطر خس بأن أرض مصر الكثيرة المستنقعات تتولد فيها الفيران والجرذان من دون والد.
وفي القرن السابع عشر فإن هلمونتسا بأن الروائح الكريهة التي تنبعث من قعر المستنقعات تتولد منها الضفادع والبزاق والعلق وبعض الحشائش إلى غير ذلك من الحشرات والذباب التي فيها وكان على يقين في قوله فيزعم أنه إذا أخذ جرة وملأها قمحاً وسد فمها بخلق وسخ لم يمر على ذلك القمح أكثر من واحد وعشرين يوماً حتى بتحول إلى فيران. وهذه يكون منها ذكور وإناث تتزاوج وتتكأثر. ومن هذا القبيل كيفية تولد العقارب من الحبق فإن العالم المذكور كان يشير على أن من أراد التجربة أن يأخذ أجرة ينقر على إحدى جوانبها حفرة يملأ وها بمسحوق نبات الحبق ثم يأخذ أخرى يضمها إلى الثانية مغطياً بها حفرة الحبق فلا يلبث هذا مدة حتى يتحول إلى عقارب حقيقية. وقيل أن برز السماق يتحول إلى قراد الكلاب ودودة القز بزرها نباتي إلى غير ذلك من الآراء الواهية التي لم تبن على ملاحظات حقيقية. وهو مما يستغرب حقيقة من رجال كانوا أفراد زمانهم على حين هم من السذاجة والجهل على جانب ويتعرضون لحل أعظم المسائل الطبيعية كالتولد والحياة بنوع من القول لا يقبله العقل السليم.
وكان ريدي الايطالي أول عالم فتح باب الملاحظة المدققة في مسألة تولد الديدان من والد وذلك سنة ١٦٣٨ فإنه قال بأن الدود الذي يشاهد في اللحوم الفاسدة بنسج رقيق يمنع عنه الذباب فلا يعود يتولد فيه البتة. نعم إن هذا الرأي صحيح ولكن ريدي المشار إليه لم يتمكن من إقناع جمهور العلماء ولم يظفر بشرف الاكتشاف. لأن الفضل ليس لمن عرف الحقيقة