- دعيني الآن ريثما أجد فرصة مناسبة أسترق فكر أبيك وأعلم إن كان يمكن ذلك أم لا.
وبعد ما خرج سعيد من منزل الباشا دخل هذا إلى دائرة الحريم وأخذ يظهر أسفه ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله. فسألته الخانم عن السبب فأخبرها بما جرى لسعيد وابنه فبكت لحاله وأسفت عليه ثم قال لها: أني تعهدت له بأن أزوجه وأن أرسلك لتفشي له على امرأة توأفقه. فتجاسرت الخانم عندئذ وقالت: إن كنت تود أن تحميه وتريحه زوجه بابنتك فهو غرس نعمتك وقد نشأ بفضلك وفي ظلك وما هو ظلك وما في الحقيقة إلا ابنك ولعلنا نتخذه ولداً فيكون لنا عوناً وسنداً
- لا أنكر مزاياه وأحبه كولدي ومنزلته عندي منزلة جميلة ولكن امتناع جميلة وكلام الناس يحولان دون ذلك على أني لست ممن يعدون الفقر انحطاطاً ومزرياً بالشرف ولا استنكف من مصاهرته لأن مكاني وشرفي يكفيانه
- كلام الناس ليس مما يحفل به العأقل في مثل هذا المقام لأن العأقل البصير من لا يبالي بكلام لا طائل تحته وقد يكفيه رضا الأخيار والأخيار لا يرون الفقر وجهل مكانة العائلة منافياً لمكارم الأخلاق وهم يرجحون الفضائل على كل مزية والمدح ما كان من الأخيار والذم ما كان منهم ولعل جميلة ترضى به لأن امتناعها ناشئ عن وجود قرين يوأفقها على أنها تمدح سعيداً في كل حين وتقر له بالفضل
- وأنا لا أبالي بكلام العامة ولا بكلام من انحطت أفكارهم ولكن إذا رضيت أنا بذلك فهل جميلة ترضى به
- فلنسألها - اذهبي واسإليها
دخلت على جميلة وأخبرتها بما جرى بينها وبين أبيها ففرحت وقالت لأمها يجب علينا أن نحتاط لئلا يفهم ويغضب وأنت تعلمين حاله إذا أخذه غضب
- أصبت بما فكرت. فماذا نفعل؟
- اذهبي وقولي له أن جميلة لا تخالف أمرك ولكنها تلتمس منك مهلة تفكر في هذه المسألة الحيوية التي تحتاج إلى إمعان وزيادة استبصار