مقدارها {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}[النور: ٣٥]، ومثَّلها سبحانه بكلمةٍ طيبةٍ أصلُها ثابت وفرعها في السماء تُؤتي أُكُلها كُلَّ حين، فيا عجباً، كيف يدق الفرق بين الظن الموافق، وظن كلمة الباطل المشبهة بشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار؟ وبظلماتٍ في بحرٍ لُجِّيٍّ، يغشاه موجٌ، من فوقه موج، من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نُورٍ.
بل المعلوم للعقلاء أنَّه لا يحصلُ ظنٌّ راجح بما خالف الفطرة والبراهين الجلية، اللهم إلا أن يعاندوا في أول الأمر، ويعارضوا الظن الراجح بالشك المساوي، بل الوهم المرجوح، فيخذلهم الله كما لم يؤمنوا به أول مرة، ويعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه، ويكونوا من الذين في قلوبهم مرض، فزادهم الله مرضاً. الآيات في أول البقرة، ومن الأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. فهؤلاء لا يعدلون عن آيات الله تعالى بعد أن جاءتهم مبصرة، واستيقنتها أنفسهم إلى الشُّبه الخيالية، والمتشابهات الوهمية التي يتبعها الذين في قلوبهم زيغٌ ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وقد أخبر الله تعالى في مُحكَم كتابه: إنما أنزل المتشابه ليهدي به كثيراً، ويضل به كثيرا، وما يُضِلُّ به إلاَّ الفاسقين.
فكيف لا يعرف العاميُّ الفرق بين الفطرة والبدعة، والفرقُ بينهما ضروري من جملة الفطرة، فإنَّ الدين الحق إذا كان هو الفطرة، فمعرفته،