للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والطمأنينةُ به، وشرح الصدر، ونكارة ضده من الفطره أيضاً.

فإذا تقرَّر أنَّ معرفة العامي للفرق بين القرائن أمر جلي فطري، كان فرقه بين القرائن المولِّدة لظنِّه من قبيل العلوم الضرورية، فإنه -وإن لم يعلم أن ظنه مطابق لمظنونه- فإنه يجزم باعتقاد ذلك، ويعلم أن القرينة الدالة على حسن العمل بظنه قرينة صحيحة مقتضية لحسن العمل به بالفطرة الضرورية، كما أن الناظر يعتقد أن استدلاله -وإن كان يصحبه الوسوسة، وتجويز ورود الشُّبهة عليه- فإنه قد بناه على قواعد علمية، ومقدماتٍ يقينيةٍ، بل ضرورية عند المحققين.

ومثال ما ذكرناه في حق المقلد: ما يذكره المتكلِّمون، وأهل الأصول في تجويز التقليد في الفروع للمسلم العامي متى قلَّد مسلماً عالماً بالفقه، وتحريم مثل ذلك على اليهودي العامِّي متى قلَّد يهودياً عالماً بشريعة موسى عليه السلام، وكما أن العامي المقلد للعالم المسلم يجوز له ذلك، ونجد فرقاً بين ذلك، وبين تقليد العامي اليهودي للعالم اليهودي، فكذلك العامي المسلم المقلد في الأصول للأنبياء والصالحين وعلماء المسلمين الذين يعرفهم، وتتحقَّق أمانتهم، ونجد خبرهم موافقاً (١) للفطرة الضرورية التي فطره وربُّه سبحانه عليها، نجد فرقاً بما (٢) عرفه من ذلك وبين اليهودي المقلد في أصول دينه للخرَّاصين والمجاهيل من كذبة اليهود وكفرتهم الذين عُلِمَ كذِبُهم أو جُهِلَ حالهم، وإن كان العامي اليهودي يعتقد في نفسه مثل ذلك، فالعامي المسلم يعلم فساد اعتقاده، كما يعلمه الناظر المسلم، وذلك بما قدَّمنا من أن علمه بصحة قرائنه وقوتها ورجحانها


(١) في (ش): موافق، وهو خطأ.
(٢) في (ش): ما، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>