للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلاً لهما، وهذان يتقابلان تقابل العدم والمَلَكَةِ لا تقابُلَ السلب والإيجاب، فإنَّ الجدار لا يُقال له: أعمى ولا بصير، ولا حي ولا ميت، إذْ ليس بقابلٍ لهما.

قيل لك: أولاً: هذا لا يصح في العدم والوجود، فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب باتفاق العقلاء فيلزم (١) من رفع أحدهما ثبوت الآخر، وأمَّا ما ذكرته من الحياة، والموت، والعلم، والجهل، فهذا اصطلاحٌ اصطلحت عليه المتفلسفة المشاؤون، والاصطلاحاتُ اللفظية ليست دليلاً على الحقائق العقلية، وقد قال الله (٢) تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: ٢٠ - ٢١]، فسمى الجماد ميتاً، وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم.

وقيل لك ثانياً: فما لا يقبل الاتصاف (٣) بالحياة والموت، والعمى والبصر ونحو ذلك من المتقابلات أنقص مما يقبل ذلك، فالأعمى الذي يقبلُ الاتصاف (٤) بالبصر أكمل من الجماد الذي لا يقبل واحداً منهما، فأنت فررت (٥) من تشبيهه بالحيوانات القابلة لصفات الكمال، ووصفته بصفات الجمادات (٦) التي لا تقبل ذلك.

وأيضاً فما لا يقبَلُ الوجود والعدمَ أعظمُ امتناعاً من القابل لهما، ومن


(١) في (ش): فلزم.
(٢) ساقطة من (د).
(٣) تصحفت في (ب) إلى: الإنصاف.
(٤) تصحفت في (ب) إلى: الإنصاف.
(٥) تحرفت في (ب) إلى: قدرت.
(٦) في (أ): الجامدات.

<<  <  ج: ص:  >  >>