للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو يكون مفارقاً (١) له بالجهات، بدليل أنهم لا يعقلون قسماً ثالثاً أصلاً.

قالوا: فلو جوَّزنا القدح في هذه القضية مع كونها معلومة بالفطرة موافقة لنصوص الكتب المنزَّلة، جاز القدح في سائر القضايا الضرورية، وذلك يجرُّ إلى السفسطة، فإذا كانت هذه الطريقة هي حُجَّته عليهم، فإنها بعينها هي حجَّتُهم عليه، فكان في تصحيح قوله بطلانه.

زاد مختار: إنه لا دليل على القديم في الأزل مع وجوب ثبوته فيه، وهو دليك صحيحٌ، فهذا من الأدلة العقلية.

ومن الأدلة السمعية ما لا يُحصى، من ذلك قوله تعالى: {وَيَخلُقُ مَا لا تعلَمُون} [النحل: ٨]، فلو كان ما لا يعلم البشر يجب نفيه، لوجب أن يستحيل صدور مثل هذا النص الحقِّ عن الربِّ الحقِّ، ومن ذلك ما ثبث وصحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طريق ابن عباس: " أن الخَضِرَ قال لموسى ما علمي وعِلمُكَ وعِلْمُ جميع الخلائق في علم الله إلاَّ مثل ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر " (٢)، ويشهد لهذا قوله تعالى: {وما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلمِ إلاَّ قَليِلاً} [الإسراء: ٨٥].

وفي الصَّحيح أيضاً عنه - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: " لو تعلمون ما أعلمُ، لضَحِكْتُم قليلاً ولبكيتُم كثيراً " (٣)، فكيف يصح مع هذا في عقل عاقل أن يكون الجهلُ طريقاً


(١) في (ش): مقارناً.
(٢) أخرجه أحمد ٥/ ١١٨، والبخاري (١٢٢) و (٣٤٠١).
(٣) روى هذا الحديث غيرُ واحد من الصحابة، رضوان الله عليهم، فأخرجه من حديث عائشة: أحمد ٦/ ٨١ و١٦٤، ومالك ١/ ١٨٦، والبخاري (١٠٤٤) و (٦٦٣١)، ومسلم (٩٠١)، والنسائي ٣/ ١٣٢ - ١٣٣ و١٥٢.
وأخرجه من حديث أبي هريرة: أحمد ٢/ ٢٥٧ و٣١٢ - ٣١٣ و٤١٨ و٤٣٢ و٤٥٣ و٤٦٧ و٤٧٧ و٥٠٢، والبخاري (٦٤٨٥) و (٦٦٣٧)، والترمذي (٢٣١٣)، والحاكم ٥/ ٤٧٩، والبغوي في " شرح السنة " (٤١٧٠)، والقضاعي في " مسند الشهاب " =

<<  <  ج: ص:  >  >>