للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلاف عباراتهم عنه، وما هو إلاَّ تسويدٌ للأوراق، وتشويشٌ على النُّظَّار، وتضييعٌ للأوقات، وكثيراً ما يغترُّ من نظر في كتبهم بأنهم يخوضون كثيراً في أمورٍ صحيحة جليَّةٍ، ويوردون على أنفسهم أسئلة ساقطة بمرَّةٍ، ثم يَحيدُون في الجواب عنها، ويُدرجون في أثنائها السؤال الحق الذي لا جواب يتَّضحُ لهم عليه، ثم يُوردون في الجواب عليه ما لا يشفي ولا يكفي، فربما لم يتفطن له الغبي، وربما ظن حين لم يفهم كلامهم أنه دقَّ عليه ما فهموه بفرط ذكائهم، وما أحسن قول إمام علم الكلام الغزالي، حيث قال: إنَّ الطريق إلى التحقيق من علم الكلام مسدد، وإنه لا يخلو من معارف صحيحةٍ، ولكن اليقين الذي فيه إنَّما هُوَ في أمورٍ يحصُلُ اليقين بها قبل الخوض فيه، أو كما قال. وما أنفسَه من كلام!

وربما دقَّ كلامهم على من لم يألف عباراتهم (١)، وفي الحقيقة إنما دق عليه ما اصطلحوا عليه وابتدعوه مِنَ العبارات كما يدقُّ على العربي الفصيح فهم كلام الأعاجم في تراطنهم، ولذلك كان الإمام أحمد إذا جادلوه بتلك العبارات، يُجيب عليهم بأن هذا فنٌّ لا أعرفه، كما مرَّ تحقيقه، وأنَّه الذي ينبغي للسُّنِّيِّ في الجواب عليهم، وأنت تقول: إن هذا كلام من لم يفهم ما ذكروه، فاعتبر بمن أجمعوا على تعظيمه من مشايخهم، ممن يَرُدُّ قولهم ويبالغ في نسبتهم إلى رِكَّةِ النظر، أو إلى (٢) العناد، كما سيأتي من كلام أبي الحسين البصري وأصحابه على أبي هاشم وأصحابه، فقد تعارضت أقوالهم في هذه الدقائق، ويستحيل تكاذب العلماء، كما يستحيل تعارضُ العلوم.

وربَّما رجَّحوا ما يعتقدونه دليلاً عقلياً، بأنه لا يحتمل التأويل، وهذا معارض في حق المعتزلة بأن الاستدلاليَّ عندهم ما يجوز عروض الشَّكِّ والشبهة فيه عند القطع به، وقد حقَّقت في " ترجيح أساليب القرآن " (٣) أن هذا شكٌّ ناجزٌ يُنافي


(١) في (ش): عبارتهم.
(٢) في (ش): وإلى.
(٣) انظر ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>