من الآفات، وأقام عليهم الحجة، وندبهم إلى المَحَجَّة بما أنزل في القرآن، وجعل فيه من البيان، وركَّب فيهم من الجوارح التي بها يعملون، وبها يحاسبون ويُسألون، ثم أخذ بجميع نواصي العباد فلم يدع شيئاً من مشيئتهم وإرادتهم إلا بمشيئته وإرادته استدلالاً على الربوبية، وتعبُّداً للخلائق بالقدرة، فإذا نوى عبد من عبيده خيراً اختار عليه في نيته، فإن شاء أمضاه له بعدله وتوفيقه، وإن شاء حال بينه وبينه ببعض بلائه، وما دعا الله إليه، فقد جعل له سبيلاً، وما نهى عنه، فقد جَعَلَ منه بُدَّاً، فمن تم منه الإقرار، وأحسن في الأعمال كان في أهل الجنة، ومن تم منه الإقرار، وأساء في الأعمال، حَكَمَ عليه الدَّيَّان في أفعاله، إن غفر له فبفضله، وإن عذبه فبذنبه، وما الله بظلاَّمٍ للعبيد.
قال محمد: فمن عَلِمَ الله منه الطاعة، وقبول أمره، والإنابة إليه، فله من الله الهداية والمنُّ والتوفيق.
وقال محمد في موضعٍ آخر: فمن قبل أمر الله، وآثر طاعته، وعَلِمَ اللهُ منه صدق النية في ذلك كله، كان له من الله العون، والمنُّ الزائد، والتوفيق الزائد، وبذلك سعد، ومن علم الله منه المعصية، وركوب ما نهاه عنه، وإيثار هواه على طاعة الله، استوجب من الله الخذلان والترك، وبذلك شَقِيَ، ولم يكن له على الله هدايةٌ ولا منٌّ ولا توفيق.
قال: ولله أن يَمُنَّ على من يشاء من عباده، ويتفضل عليه بتوفيقه ويهديه، قال الله عز وجل:{ولو عَلِمَ الله فيهم خيراً لأسمَعَهُمْ}[الأنفال: ٢٣]، وقال:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُم}[محمد: ١٧]، وقال:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاء}[آل عمران: ٧٤]، وقال:{ولولا فَضْلُ الله عليكم ورحمتُه لكنتم من الخاسرين}[البقره ٦٤٠]، وقال:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاء}[النور: ٢١]، وقال الله عز وجل: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات: ٧ - ٨]،