للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند أهل العقليات، والعذاب وسيلة إليها، فالعذاب مراد الله لأجل الحكمة، لا لكونه شراً محضاً، وهذه الأولية في الرتبة (١) دون الزمان على قول من يعتقد بِقِدَمِ الإرادة الإلهية.

وأما من يُجيز حدوثها فإنه يجيز أن تكون الأولية هنا في الزمان، ومعنى الأولية في الرتبة دون الزمان (٢) مثل سبق الذات للصفات في الرتبة مع عدم حدوث الجميع، ومثل سبق حركة الأصبع لحركة الخاتم في الحوادث.

ولقد رَجَعَتِ المعتزلة إلى مثل هذا الإيمان الجملي بحكمة الله تعالى بعد الخبط في التأويل، وإنكار الآثار، ومخالفة السلف كما تقدم بيانه بياناً شافياً.

وتلخيص الجواب في هذا الوجه: أن الله خلق الكفار لحكمٍ كثيرة شاهدة له سبحانه بالنزاهة من الظلم والعَبَثِ، بل شاهدة له سبحانه بالحكمة البالغة، والنعمة السابغة، والحجة الدامغة، فمن قال: إن الله خلق (٣) الكُفَّار للعذاب دون غيره أو كانت عبارتُه تُوهِمُ ذلك، فما أصاب الحق، ومن أراد إصابة الحق على التفصيل تتبَّع متفرقات الحكم والنصوص وجمعها، والذي حضرني منها سبعة أمور خلق الله الكفار لها، منها: لفظية منصوصة، ومنها: معنوية معقولة، وإن رجَعَ المجموع إلى أقل من ذلك، فتأمل في كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وواضحات (٤) أدلة العقول التي لم تعارضها النصوص السمعية.

فأقول وبالله التوفيق: إن الله سبحانه خلق الكفار لعبادته بالنظر إلى أمره ومحبته كما أوضحتُه في الكتاب في تفسير قوله: {وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاَّ ليَعْبُدونِ} [الذاريات: ٥٦]، والابتلاء بالنظر إلى عدله وحجته كما أوضحتُه


(١) في (ش): هما الأولية في المرتبة.
(٢) من قوله: " فإنه يجيز " إلى هنا ساقط.
(٣) في (ش): " ما خلق " وهو خطأ.
(٤) تصحفت في (ش) إلى: وأصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>