للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيانُ كثيرٍ من حكم الله في التخلية وعدم العصمة في المرتبة الثالثة في الدواعي مع ما استأثر الله تعالى بعلمه من التأويل الذي لا يعلمه إلاَّ هو ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء.

فإذا تقرَّر ذلك فينبغي أن يعلم عذر من جوَّز هذه العبارة، وتأمَّل ما عوَّلوا عليه من الفرق بين المعاصي أنفسها، وبين وقوعها على بعض الوجوه.

فأمَّا المعاصي فإن الله تعالى يكرهها بالنصِّ القرآني، ولا تُعَلَّقُ بها محبته ولا رضاه بوجهٍ من الوجوه كما لا يتعلق بها أمره ولا ثوابه، وسيأتي ذلك مبيناً.

وأما وقوعها على بعض الوجوه فيجوز أن تُعَلَّقَ بها كراهة الله تعالى وإرادته معاً باعتبار الجهتين، كما مر تقريره في اليمين الواجبة شرعاً على المُنكرِ لما هو حق عليه في معلوم الله تعالى، ويمينه على جحده قبيحة كبيرة، ومع ذلك يحسُنُ إرادتها لغير الوجه الذي قبحت لأجله وهي من أوضح أمثلة ذلك كما تقدم، وكما يأتي.

أما كراهته لذلك، فلقُبحه، وذلك واضح.

وأما إرادته، فلوجهٍ حسنٍ مثل ما تقدم في اليمين، ومثل عقوبة من اشتد غضبُ الله عليه، كما تقدم عن موسى عليه السلام، ومن أوضح الأمثلةِ في ذلك (١) يعرفها المُحَدِّث، ومن لا يُمارس الكلام أمران:

أحدهما: الفرق بين الحكاية والمحكي مثل قول النصارى: {إنَّ الله ثالثُ ثَلاثةٍ} [المائدة: ٧٣] ونحو ذلك، فإن المحكي كفر (٢) صريح بخلاف الحكاية، ولو كانت كفراً مثل المحكي لكَفَرَ كلُّ حاكٍ لذلك وأمثاله.

وثانيهما: التلاوة والمَتْلُو، فإنَّ تلاوة الجُنب للقرآن قبيحة والقرآنُ غير قبيح، فمن هنا فرَّق البخاري ومسلم وغيرهما من المحدثين بين التلاوة والمتلوِّ في


(١) زاد في (ش) بعد " ذلك ": " التي ".

<<  <  ج: ص:  >  >>