للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما العقل، فلأن وقوع الاضطرار إنما هو فعل الله تعالى في العبد، ولذلك كان اضطراراً، ولو كان فعل العبد، كان اختيارياً، فإذا كان فعل الله، توقف على مشيئته.

بيانه: أنه راجع إلى قوة الرعب، وهو من مقدورات الله وحده، قال الله تعالى: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الأحزاب: ٢٦]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " نُصِرْتُ بالرُّعب " (١).

يُوَضِّحه: أن قوة القلب وشجاعته ورقته وجبنه من فعل الله تعالى إجماعاً، وكل ذلك ما لا يقف على حد، فلو شاء الله، لزاد في قوة بعض القلوب حتى لا تخضع لآية، ولو شاء لأضعفه حتى ينفلق لأدنى خيالٍ لا حقيقة له.

ومن الدليل على أن مذهب أهل السنة هو الفطرةُ التي فطر الناس عليها، أن (٢) المخالفين يرجعون عند تحقق الحقائق إليها، وقد ختم الزمخشري كتابه " الكشاف " (٣) بدعاء طويل جعل خلاصته أن يهب الله سبحانه له خاتمة الخير، بهذا اللفظ، فلو أنه حافظ على مذهبه في وجوب اللطف على الله، لكان ذلك التضرُّع الطويل لَعِباً وعبثاً لا فائدة فيه، لأن الله تعالى على زعمهم إن كان في علمه وقدرته لطفٌ لأحدٍ من جميع خلقه وجب عليه أن يفعله وجوباً يقبح منه تركه، ولا يُسَمَّى واهباً من قضى واجباً، وإن لم يكن ذلك في علم الله، فليس من مقدوراته حقٌّ يَهَبُه.

ولهذه النكتة احتج الإمام المؤيَّد بالله يحيى بن حمزة عليه السلام على قدرة الله تعالى على هداية جميع المكلفين بإجماع المسلمين على سؤال الهداية واللطف، وهم لا يسألون الله تعالى ما لا يقدر عليه، وهذا واضح ولله الحمد والمنة.


(١) في الأصول: " لأن "، والجادة ما أثبت.
(٢) ٤/ ٣٠٣.
(٣) تقدم تخريجه في ١/ ١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>