للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الدليل على ذلك سمعاً، فقوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٤] مع قوله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: ١٤ - ١٥].

فانظر كيف نصَّ سبحانه على خضوعهم لآية واحدة، وذلك لا يكون إلا مع مشيئته سبحانه أن يخضعوا، ونص على عدم خضوعهم بفتح باب من السماء وعروجهم فيه، وهي من أعظم الآيات لما لم يُرِدِ الله خضوعهم لذلك، ولو أراد الله سبحانه أن يخضعوا لذلك أو لدونه، لطارت أفئدتهم، ولانت شدتهم لأقل من ذلك، ولكن حكمة الله جارية بوقوع الأشياء بأسبابها مع قدرة الله تعالى على وقوعها من غير أسبابها (١)، ولذلك قال في إنزال الملائكة يوم بدر: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٢٦].

وما أعظم اغترار الجُهَّال بالأسباب، ونسبة التأثير إليها دون ربِّ الأرباب، فهي على الحقيقة للغافلين أعظم حجاب، ومن أبياتٍ كنت قلتها في ذلك:

حَجَبْتَ مَنْ شئت بالأسباب عنك فما ... يراكَ إلاَّ بصيرُ القلب ذو حَالِ

وأوضح من ذلك كله قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: ٨٧] فسبحان من هو بكل شيء بصيرٌ، وعلى كل شيءٍ قدير، وما كفرت الفلاسفة إلا لظنهم أن الأسباب مؤثرة لما رأوا من ملازمتها المسببات، كقولهم: إن إحياء الموتى من المحالات، وأمثال ذلك.


(١) من قوله: مع قدرة الله إلى هنا لم يرد في (أ) و (ف).

<<  <  ج: ص:  >  >>