وعدم الفرار، وما لا يحصى، مع أنه يلزم المعتزلة مثل ذلك فيما لا يخالفون فيه، فإن إرادة الشيطان قد توافق إرادة الله في اللفظ دون المعاني في مواضع كثيرةٍ.
فإن الشيطان يريد كثيراً من أفعال الله تعالى من موتِ الأنبياء صلوات الله عليهم، أو إنزالَ المتشابه، وابتلاء المؤمنين بالمصائب والفقر، وعقابِ عُصاة بني آدم، وعدم العفو عنهم، ولكن الله تعالى أراد ذلك على أحسن الوجوه، وأبلغها حكمةً، وأحمدها عاقبة، وأبعدها من المذمَّة، والشيطان على العكس في جميع ذلك.
ولو كان الشيطانُ وافق الرب عزَّ وجلَّ الموافقة المرضية لوافقه في إرادة الخيرات والطاعات، وكراهة المعاصي.
وقد بيَّنَّا في غير هذا الكتاب، وسيأتي مبسوطاً في مرتبة الدواعي أن الخيراتِ والطاعات هي الغالبة في جميع المخلوقات غير الجن والإنس لما ثبت من كثرة الملائكة، ومن طاعة جميع الحيوانات وغيرها، فكيف سُمي الشيطان موافقاً لله وقد خالفه في أكثر الأشياء من كل وجه، ولم يُوافقه في المعاصي النادرة التي قَذِرَها منه، بل كرهها من ذلك الوجه الحسن (١)، وأحبها من الوجه المسخوط الذي كرهها الله تعالى منه؟
والعجبُ من المعتزلة في التشنيع على أهل السنة في هذا الموضع، ونسيان ما يلزمهم فيه من الشناعة، وفي المثل:" رَمَتْني بدائِها وانْسَلَّتْ "، فإن المعتزلة هم الذين ردُّوا ملك الملك العزيز الجبار الذي هو على كل شيءٍ قدير إلى أدنى من مرتبة شيخ قرية عاجز ضعيف، فإن أدنى مشايخ القرى لا يرضون أن يُوصفوا بالعجز عن إصلاح قُراهم، وأن ما يُنفذ في قُراهم من مراد أعدائهم أكثرُ من مراداتهم.